بصمة المجتمع المحلي الإنسانية في اليمن خلال الحرب

2022-02-13

Hjf 

عاطف الحرازي (35 عامًا) يعمل في منظمة أطباء بلا حدود - اليمن, كان في طريقه إلى محافظة عدن العاصمة المؤقتة للبلاد, مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2021, عندما قضى على يد مسلحين مجهولين في منطقة طور الباحة بمحافظة لحج الجنوبية.

وسائل إعلام وشبكات محلية نقلت الخبر وسط تجاذب حاد بتحميل طرف بعينه المسؤولية عما حدث. لم تصدر بيانات رسمية من قبل وزارة الداخلية أو أي من أطراف الصراع, لتظل في دائرة مصادر أخرى لها صلتها غير المباشرة بهذه الأطراف, سعت لتكريس روايات مضادة لبعضها. وانحصر الأمر هنا بين المجلس الانتقالي الجنوبي من جهة وأطراف أخرى داخل الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا.

كان الرئيس الدولي لمنظمة أطباء بلا حدود متعددة الجنسيات كريستوس كريستو عبّر عن صدمته لمقتل اثنين من موظفي المنظمة الدولية في اليمن ونيجيريا خلال يومين. بشأن الحرازي, قال كريستو "موظف بلا حدود في اليمن عاطف سيف، كان في رحلة خاصة مع أصدقائه إلى عدن عندما أطلق مسلحون النار عليه أثناء عملية سطو." كان عاطف يعمل ممرضًا في المستشفى العام الذي تدعمه المنظمة في مديرية ذي السفال، بمحافظة إب, وسط البلاد.

"زادت الحرب في اليمن من الهيمنة السياسية على وسائل الإعلام وأدت إلى نشوء خطاب إعلامي غير متوازن ومستقطب من الأطراف السياسية مما ساهم في ظهور الشائعات وانتشار الأخبار المضللة بأنواعها المختلفة وتراجعت المعايير الصحفية لدى الصحفيين", وفق دراسة أعدها مركز الدراسات التطبيقية بالشراكة مع الشرق لمجموعة من الباحثين الألمان والعرب عن متطلبات السلام في اليمن.

فريق التحقيق رصد منذ سبتمبر/أيلول 2021 عديد المعلومات المضللة التي تم نشرها وتداولها في وسائل إعلام يمنية بخصوص السلام المجتمعي, تحمل تصورًا نمطيًا في إظهار نزاعات محلية لدوافع تتعلق بخلافات سياسية ذي طابع مناطقي.

دقق الفريق هذه الأخبار واكتشف واقعًا مختلفًا كان في عديد حالات ماثلة يعزز طابعًا إنسانيًا جيدًا جسّد قيمًا في التكافل والتعاون المجتمعي بعيدًا عن التباينات. وتوصّل أن الأخبار التي تحدثت عن صراع مجتمعي ذي خلفية سياسية في اليمن وخاصة في مناطقه الجنوبية غير دقيقة وفيها تضليل متعمد.

العرف القبلي

بحسب قاسم أحمد شقران, شيخ من مديرية مريس بمحافظة الضالع, فـ"للجانب الإنساني مكانة في منظومة العرف القبلي" فيما كان يتحدث عن لجوء أشخاص إلى قبائل أخرى غير قبائلهم؛ جراء اضطهاد خلال فترات الحرب أو السلم. مشيرًا أن "القبائل ووفقًا للأعراف المعهودة توفر للشخص المستجير الحماية وتسعى لحل مشكلته."

وقد ظهرت خلال السنوات الأخيرة أدوار إنسانية لمجتمعات محلية في استضافة نازحين من محافظات أخرى تشهد أعمال عنف, إلى جانب أدوار وساطة في صفقات تبادل أسرى وإشراف على طرق وممرات لأغراض إنسانية وتقديم العون لمناطق متضررة من النزاع.

مرور إنساني

في بلدة من مديريات "يافع" بمحافظة لحج, جنوبي اليمن, وبالقرب من مفرق الدرب الذي يربط محافظات تقع تحت سيطرة أنصار الله الحوثيين بأخرى تحت سيطرة حلفاء الحكومة المعترف بها دوليًا, تتوقف عديد الشاحنات للاستراحة بعض الوقت, قبل أن تواصل رحلتها نحو وجهات بينها العاصمة صنعاء.

في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2021, اضطر وليد الأسدي (37 عامًا) وهو من محافظة ذمار, شمالي البلاد, أن يسلك طريقًا وعرة في إحدى مديريات يافع بعد أن قطعت معارك محتدمة الطريق الرئيسية في محافظة الضالع الواصلة بين عدن وصنعاء.

التقينا الأسدي بينما كان بجانب عربة النقل الثقيل التي يقودها: "تعرضتْ شاحنتي لحادث عطّلها منذ ثلاثة أيام وهي محملة بالبضائع", فيما كان متجهًا إلى مدينة عدن قادمًا من العاصمة اليمنية الواقعة تحت سيطرة الحوثيين منذ سبتمبر /  أيلول 2014.

روى في الأثناء عن ذهابه لإحضار مهندس من منطقة بعيدة "أشكر الأهالي الذين يقومون بحماية الشاحنات المعطَّلة بعد أن تظل مركونة على قارعة الطريق حتى نعود لإصلاحها دون أن يأخذوا منّا مقابل هذه الحماية".

يؤكد مدير مديرية الحد شمالي محافظة لحج المتاخمة لـ البيضاء حسين الجوهري "يتعاون المواطنون مع السلطات في تأمين الطريق التي كانت مخصصة لربط مناطق يافع بالعاصمة المؤقتة عدن قبل تحويلها إنسانيًا لنقل السلع والوقود والمواد الغذائية والطبية التي يحتاجها المواطنون في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين", مشيرًا أن "الطبقة الاسفلتية للطريق تعرضت للتلف فيما تسببت كثافة المرور باختناقات السير وأثرت سلبًا على أبناء المنطقة".

أثناء نزولنا إلى المكان لحظنا مبادرة الأهالي بأعمال صيانة للطريق؛ حفاظًا على استمراريتها, بينما لجأ آخرون في مناطق مجاورة داخل يافع ذاتها لفتح طرق مؤقتة؛ تجنبًا للازدحام الذي تشهده الطريق الرئيسية.

قبل أعوام, شُكّلت لجنة أهلية بالشراكة والتنسيق مع السلطات المحلية في مديريات يافع وفرضت ضريبة مرور على كل شاحنة تستخدم الطريق الرابط بين الشمال والجنوب هناك, وخلال فترة الإعداد للتحقيق كانت تنفذ المرحلة الثانية من طريق حقوين – الحضارم بتمويل اللجنة المشَكّلة.

كلفة المساعدات وسط القنص

في محافظة تعز, تبنّت الناشطة داليا محمد (29 عامًا) وعدد من زميلاتها فكرة إيصال المواد الغذائية للأسر التي حوصرت في مناطق الاشتباكات بين قوات الحكومة المعترف بها وجماعة الحوثيين في السنوات الأولى للحرب التي اندلعت في مارس/آذار 2015.

وخلال عملها في إيصال المساعدات للمدنيين, فقدت داليا عينها اليسرى برصاص قناص, بينما قُتلتْ زميلتها ريهام البدر, فبراير/شباط 2018. كانت داليا قد تخرجت من كلية الطب وعملت في المجال الصحي, فيما مارست أكثر من عمل إنساني خلال فترة الحرب, مؤكدة أن نشاطها كان ذاتيًا ولم يتبع أي جهة.

ضيوف لا نازحين

أحدثت الحرب ظاهرة نزوح جماعية من مختلف بؤر الصراع, ألجأت الآلاف من محافظات إلى أخرى عاشوا مع مواطنيها مستضافين في منازلهم, وهو ما يفصح عن سلوك اجتماعي قائم على التعاون في ظل أزمة اقتصادية ظلت تستفحل على مدى سنوات الحرب حتى الآن.

علي أحمد يحيى نزح بأسرته من إحدى المحافظات الواقعة تحت سيطرة أنصار الله الحوثيين إلى محافظة مأرب, وسط اليمن "فقدنا خلال رحلة النزوح كل شيء, الرجال والمال، ليس لدينا الآن إلا خيم مهترئة نأوي إليها", قال. كان منزله

خيمة صغيرة في صحراء مأرب, فيما تقوم ابنته, في حالة بَكَم, بجمع الحطب لصناعة الخبز باستخدام تنور تلقوه مساعدة من السكان الذين منحوا بعض أفراد أسرته العيش في منازلهم, بينما منحوا البقية مساحات من الأرض لنصب الخيمة.

يقيم مسعد الفتاحي (56 عامًا) في منزل أحد مواطني منطقة "لكمة الدوكي" بمديرية الضالع منذ نزوحه وأسرته من منطقة "بتار" التي شهدت مواجهات على خط التماس بين محافظتي الضالع وتعز قبل ثلاثة أعوام."وصلنا ولم يكن معنا أي ممتلكات. تركنا كل شيء هناك ورحلنا. استقبلنا مشايخ المنطقة واستضافونا عندهم", قال.

كان الفتاحي مسعد يروي قصة نزوح درامية بعد أن تحملوا مشاق رحلة عبر ثلاث محافظات ذي طرقات وعرة هربًا من المواجهات, قادتهم إلى مركز حجر بمديرية الضالع حيث "لكمة الدوكي".

أحمد نازح آخر, تتكون أسرته من 14 فردًا بينهم 11 طفلًا أكبرهم محمد (16 عامًا), وله زوجتان. حظي بمساعدات إيوائية وغذائية من شخصيات اجتماعية في البلدة ذاتها على الرغم من الظروف المعيشية للسكان. وتزامن هذا مع حلول أسرة أخرى مكونة من أحد عشر فردًا, ضمن موجة نزوح قدمت حينها من منطقة صبيرة شمالي الضالع التي شهدت

جولات قتال. كانت الأسرة تعمل في رعي الأغنام, غير أن الحرب أفقدتها الكثير من الممتلكات وقطعان الماشية, وقد تمكنتْ من البقاء في أحد المنازل الشعبية لأحد أبناء منطقة حجر منذ حوالي سنتين, فيما يفتقر أحد أطفالها للعلاج جراء الإعاقة وسط ظروف معيشية بالغة الصعوبة.

التقينا في "حجر" محمد المطيع (31 عامًا) الذي يستضيف أربع أسر نازحة من مناطق صراع تقع بين محافظات الضالع وتعز وإب, من بينها أسرة مسعد الفتاحي. قال المطيع إن الأسر النازحة وصلت إليهم في حالة صعبة للغاية, وقد بادر أهالي المنطقة بما وسعهم تقديمه. موضحًا "استضافة النازحين واجب أخلاقي وإنساني خاصة والبلاد تشهد حربًا أثّرت بشكل بالغ على السكان في مختلف الأنحاء".

صالح العودي وهو مندوب النازحين في الوحدة السكنية بـ"سناح" التابعة إداريًا لمديرية الضالع أيضًا, قال إن الأماكن التي هرب منها النازحون تمثلت بدرجة أكبر في صبيرة والحشاء والفاخر والجب وبتار والشامرية والعوج ومرخزة الواقعة تحت سيطرة جماعة أنصار الله "الحوثيين".

"استقبلناهم بصدر رحب وفتحنا لهم بيوتنا وقدمنا لهم ما يحتاجون من ماء وغذاء ومأوى. حتى أننا أشركناهم في منازلنا, وقد كنا نازحين عندهم يومًا ما", وفقًا للشيخ منصور النقيب أحد مشايخ "حجر". وقد عزا هذا الشيخ الأمر إلى ما قال أنها "قيم أخلاقية واجتماعية عالية جعلت الأهالي المستضيفين يتحملون عبء استضافة نازحين لفترة تزيد عن ستة أشهر متواصلة."

مشهد في المأساة

مرت الأيام ثقيلة على أحمد محمد حوذان (26 عامًا) بينما كان معتقلًا لدى جماعة الحوثيين, قبل الإفراج عنه في صفقة تبادل أسرى شارك في قيادتها الشيخ صالح الأشول في محافظة مأرب وسط البلاد.

يقول حوذان إنه اعتقل في أكتوبر/تشرين الأول 2018 بصنعاء, وظل محتجزًا حتى قام شقيقه المنخرط في الجيش الحكومي بضم اسمه لقائمة المشمولين بإحدى صفقات التبادل عبر وساطة محلية, وقد أفرج عنه بعد مرور عام من الأسْر.

أضاف أن عدد الأسرى الذين أُطلق سراحهم معه في الصفقة ذاتها تسعة أشخاص نُقلوا إلى مكان التبادل في محافظة الجوف ومنها إلى مأرب, المدينة التاريخية التي أضحت مكتظة بمئات الآلاف من النازحين خلال السنوات الأخيرة.

حين كان الأسرى في طريقهم نحو اللقاء بأهاليهم, يروي حوذان عن شقيقه كان على اتصال هاتفي متكرر للاطمئنان عليه. ولما كانت المواجهات على أشدها في مأرب ذلك اليوم, لم يصل المدينة إلا وقد فارق شقيقه الحياة بفعل إصابة مميتة.

لن يأتي الحل من مكان آخر

الوسيط صالح الأشول تحدث لنا عن تجربته "دافعي الأساسي لخوض هذا الجانب الإنساني الخاص بتبادل الأسرى هو إيماني بأننا إذا لم نبحث عن حل مشاكلنا بأنفسنا كيمنيين, فلن يأتينا الحل من مكان آخر".

ومن أجل إنجاح صفقات تبادل الأسرى والجثث بين طرفي النزاع, أوضح الأشول أنه يتعاون مع وسطاء قبليين آخرين باتوا يحققون نجاحات متواصلة في هذا الجانب. لكنه أكد أيضًا أن غياب البيانات الدقيقة عن الأسرى وعدم تعاون بعض أطراف النزاع معهم يمثل كبرى الصعوبات التي ما زالوا يعانون منها خلال سعيهم لإنجاح المزيد من هذه الصفقات.

صدام الأدور (32 عامًا) يتعاون مع مجموعة من الشباب كوّنوا فريقًا لدعم الوساطات المجتمعية في محافظة مأرب, قال إن الحرب قد أحدثت أثرًا بالغًا وقد زادت كل مرة أعداد القتلى والجرحى والمعتقلين والمخفيين قسرًا, وتشتت شمل الكثير من الأسَر. موضحًا أن فريقه لا يتواصل مع أطراف النزاع بشكل مباشر, إنما بتقديم الدعم اللازم الذي يحتاجه الوسطاء في تسهيل مهامهم.

بعد يأس

في منطقة باجة شمالي الضالع, كان عبده قيس صالح (30 عامًا) يقاتل في صفوف "المقاومة الجنوبية" الموالية للحكومة اليمنية, ما أدى إلى إصابته خلال المعركة في مايو/أيار 2019, ووقع أسيرًا في يد الحوثيين الذين نقلوه إلى محافظة إب لتلقي العلاج, قبل أن يصبح رهن الاعتقال ويظل ستة أشهر دون اتصال بأهله, فيما تعرض للتعذيب النفسي والجسدي حسبما قال. وفي الأثناء تمكن مقاتلون جنوبيون من أسْر مجموعة من خصومهم الحوثيين, لتتهيأ بذلك أرضية مناسبة لعقد صفقة تبادل على يد مشايخ ووجهاء اجتماعيين من محافظة الضالع ومناطق سيطرة الحوثيين.

"شعرتُ باليأس ولم أكن أتخيل أنني سألقى أبي وأمي مرة أخرى. خرجت من السجن وكأنني خلقت من جديد", قال.

باكية, تصف والدة عبده لحظات تلقيهم خبر اعتقاله: "لم أكن وبناتي ننام أكثر الليالي. نتخيل أحواله في السجن, فكنا نبكي حتى الصباح", فيما يتذكر والده أشهرًا عصيبة من الاضطراب عاشتها الأسرة.

الشيخ عبدالله محمد ناجي أحد الذين قادوا وساطات بين "القوات الجنوبية" وجماعة "الحوثيين", قال إن مشايخ قبليين من محافظات تحت سيطرة الطرفين يديرون عملية التفاوض من خلال استلامهم بيانات الأسرى المطلوب الإفراج عنهم وإبلاغ طرفي النزاع قبيل الترتيب لعملية التبادل, فيما يظل دأبهم مستمرًا طوال المرحلة حتى تُكل بالنجاح.

يمكن لامرأة أن تفعل أكثر

لم تعد المسألة حكرًا على الرجال هذه المرة. فقد مضت وسيطة من النساء تُدعى جوهرة قاسم صالح,من محافظة الضالع, قُدمًا في إنجاح سبع صفقات جماعية لتبادل الأسرى بين القوات الجنوبية وجماعة الحوثيين, إلى جانب عدد كبير من الصفقات الفردية.

تتمتع جوهرة بعلاقات واسعة مع طرفي الاقتتال, توظفها طوعيًا في خدمة المجتمع. قالت إن ذوي الأسرى يتوافدون إليها بشكل دائم طالبين متابعة ملف أسراهم لدى أطراف النزاع.

أوضحت أن مساعيها الإنسانية بدأت منذ نجاحها في إطلاق سراح زوج ابنتها الذي كان معتقلًا لدى جماعة الحوثيين في السنوات الأولى للحرب, مشيرة أن أول صفقة تبادل نجحت في إبرامها كان قوامها 48 جثة و12 أسيرًا من الطرفين. وفي صفقات أخرى, تجاوز عدد الأسرى المفرج عنهم حوالي الخمسين شخصًا. "أنا أفرح عندما أرى ذوي الأسرى فرحين بعودة أبنائهم", قالت.

يصل إجمالي الذين أطلق سراحهم عبر عديد الوساطات المحلية قرابة 9 آلاف أسير ومعتقل خلال 300 صفقة تبادل على الأقل منذ بداية الحرب عام 2015, بحسب اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى بصنعاء.

الوسيط المجتمعي أمين المقدم, يعمل في محافظة تعز على إبرام صفقات تبادل الجثث بين أطراف النزاع منذ العام 2018 حتى الآن بدأ عمله الإنساني بصفقة بين اللواء 35 بقيادة العميد عدنان الحمادي [اُغتيل في 2 ديسمبر/كانون الأول 2019], وجماعة الحوثيين. "واجهنا في البداية مشكلة بناء جسور الثقة مع أطراف النزاع لكننا تمكننا في الأخير من ذلك عندما تأكدوا من استقلاليتنا", قال. وقد نجح في إبرام عديد صفقات التبادل من هذا النوع, شملت أربعمائة جثة.

تقوم أطراف النزاع في اليمن باحتجاز جثث القتلى من الطرف الخصم لكي تتمكن من استرداد جثث قتلاها.

النساء في المقدمة

 

خلال الحرب, كان الدور النسوي بارزًا لا تخطئه العين في مسعى للتخفيف من آثارها الإنسانية المعقدة. وفي عديد محافظات يمنية, تصدرت النسويات صفوف بنائي السلام ورواد العمل الإنساني على أكثر من صعيد.

في محافظة مأرب التي يغلب عليها الطابع القبلي الصارم بدرجة كبيرة, تقوم  شيماء حميد بإدارة منظمة محلية عاملة في بناء السلام, بعد أن اضطرت للنزوح من العاصمة صنعاء. تنظر بتفاؤل للمرأة التي زاد نشاطها الاجتماعي والسياسي والإنساني في محافظة قبلية مثل مأرب. "نحن الآن نشهد تقدمًا كبيرًا للمرأة في صناعة القرار والعمل الاجتماعي والمدني", قالت.

تضيف أن المجتمع اليمني لا يزال ذكوريًا بدرجة لا بأس بها, إلا أنه أصبح متقبلًا عمل المرأة وتعليمها فيما بات أعداد الرجال الداعمين لها في تزايد.

ومن بين الأنشطة التي نفذتها شيماء وفريقها في مأرب, فعاليات رياضية للفتيات. تقول: "كنت متخوفة من أن تلقى أفكارنا الرفض لكننا في الأخير تفاجأنا بإقبال الفتيات, ونجحنا".

الناشطة أروى علي رمال, ترى من جانبها أن دور المرأة اليمنية حاضرًا على مدى التاريخ وكانت مشاركة للرجل في العمل, لكنها تجد أن المسؤولية الملقاة على عاتق المرأة تضاعفت في السنوات الأخيرة جراء انشغال الرجال بجبهات القتال والمعارك.

تعمل أروى في "فتيات مأرب" وهي مؤسسة نسوية تهتم بشؤون المرأة وتعزيز دورها وبناء قدراتها وإشراكها في المجتمع إلى جانب تأهيلها للعمل عبر برامج مختلفة, منها برنامج التمكين الاقتصادي الذي تنفذه المؤسسة وتطمح أن يُمكّن الفتيات من إقامة مشاريع اقتصادية خاصة بهن في سوق العمل.

وفي محافظة تعز نجحت المحامية شيناز الأكحلي في حل خلاف مزمن بين ثلاث قرى في المحافظة الأكبر من حيث عدد السكان في اليمن, حول بئر ماء. طيلة فترة النزاع استحوذت إحدى القرى على مصدر الماء بينما حرمت القريتين الأخريين عملت الأكحلي في مجال بناء السلام وحل النزاعات المجتمعية بشكل شخصي, قبل أن تعمل ضمن برامج مؤسسية لأجل هذا الغرض, فيما تنخرط الآن كمنسقة مشروع "مجتمعات تصنع السلام" في منظمة نودز يمن.

أوضحت أن حل قضية القرى الثلاث حول البئر كان في إطار المشروع الذي تعمل فيه مع المنظمة الدولية "كان خلافًا قديمًا أدى إلى حرمان الأهالي من الحصول على المياه", قالت. مشيرة أن القضية حُلت على مراحل وليس دفعة واحدة, فيما استعانت بشخصيات اجتماعية في القرى الثلاث إلى جانب السلطات المحلية.

أكدت أن مشايخ القرى الثلاث لم يكونوا راضين عن وجود الفريق المجتمعي التابع لها, لكنهم استطاعوا بناء الثقة معهم ليتمكنوا من حل خلاف دام سنوات طويلة.

نبيل السفيانيمن "العدوف", إحدى القرى المتنازعة, قال إن سوء تنفيذ تدخل قضائي من الدولة لأجل تقسيم المياه على القرى الثلاث هو من فاقم المشكلة التي تطورت إلى تعطل المشروع وتوقفه عن الخدمة.

ومن أجل وضع آلية تنفيذية للحكم القضائي بشأن توزيع حصص المياه, تدخلت عديد وساطات من جهات رسمية وغير رسمية لكنها كانت تصل إلى طريق مسدود في الغالب لاقت الحلول التي قدمتها المحامية الأكحلي وفريقها قبولًا من الأطراف المعنية بعيد بناء الثقة, وكانت أول تدخل مجتمعي لحل النزاع تشارك فيه نساء في ريف تعز.

ومن خلال التتبع وتدقيق الأخبار عن دور الوساطات المحلية في اليمن, تبين لفريق العمل أن التضليل قبل سنوات الحرب كان يتعلق بدور القبيلة وعلاقتها بمؤسسات الدولة والمجتمع. أظهرتْ التغطيةُ الإعلامية أنها - أي القبائل - في محافظات بعينها, كيانات تتعارض مع وجود دولة مدنية؛ فوجود أحدهما يؤدي إلى إلغاء وجود الطرف الآخر؛ الدولة والقبيلة.

اختلف التضليل مع بداية وفي ظل سنوات الحرب نحو موضوع آخر تمحور هذه المرة حول علاقات المجتمع المحلي ببعضه من ناحية مناطقية (شمال - جنوب على وجه التحديد). لطالما رسمت وسائل إعلام صورة قاتمة عن النزاع وغياب التعايش بالاستناد إلى حالات فردية تضمنت اعتداءات.

تبين من خلال الرصد حالة جيدة من التعايش والتعاون جسدها المجتمع المحلي عبر عديد وساطات مجتمعية وقبلية في ملفات الأسرى والدعم الإنساني وفتح ممرات آمنة واستضافة نازحين شردتهم دائرة اشتباك واسعة.

تكاد هذه الصورة تُغيّب بالكامل من وسائل إعلام سعت لرسم حالة مختلفة ضمن تغطيات الحرب ساهمت إلى حد كبير في إذكاء الصراعات ونشر لغة العنف والكراهية بين أوساط المجتمع.

أنتج هذا التحقيق بدعم وإشراف من مؤسسة الصحافة الإنسانية (Hjf) - عدن