ظِلال الحرب.. تضليلات التغطية بحق النساء والأطفال في اليمن
2022-02-28
Hjf
يونيو/حزيران 2021, تعرضت محطة للوقود في محافظة مأرب, شمالي شرق اليمن, لقصف صاروخي أدى إلى سقوط عديد ضحايا مدنيين بينهم طفلة بعمر 5 سنوات تدعى "ليان", حسب وكالة "سبأ" الرسمية التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها.
وزيرا الصحة والإعلام في هذه الحكومة, قاسم بحيبح ومعمر الإرياني,تداولا رفقة ناشطين صورة للطفلة التي قضت متفحمة جراء اشتعال النيران, أثارت ردودًا واسعة على صفحات السوشيال ميديا, بين إلقاء التهمة على جماعة أنصار الله الحوثيين وبين النفي من قبل هذه الجماعة المدعومة من إيران.
على إثر الحادثة نشر حسين العزي, وهو نائب وزير خارجية مجلس الحكم في العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة للجماعة الشيعية، تغريدة له في حسابه على "توتير", أن الصورة مفتراه حتى على النظام السوري منذ العام 2018 , حد تعبيره, ما أدى إلى الرد من قبل ناشطين موالين للجانب الحكومي بنشر صور ومقاطع فيديو للطفلة ذاتها, مؤكدين مقتلها في القصف المميت ضد محطة للمحروقات, في سلسلة دحض متسارع لمزاعم نائب خارجية الحكومة غير المعترف بها في صنعاء.
تابع فريق التحقيق تطورات القصة التي أبرزها مغردون تمكنوا من كشف واقعة تضليل قام بها حوثيون اقتطعوا جزءًا من مقال مترجم نشرته منصة "أورينت" نقلًا عن مجلة "تابليت" حول مآسي الحرب في سوريا, قبل إرفاقه بصورة "ليان" ونسبته لمنصة "شبكة شام السورية", كنوع من تثبيت مصدر يمكن الإحالة إليه وبالتالي نفي ارتباط هذه الصورة بما حدث في المحافظة العريقة, غرب صنعاء.
منصة "صدق" المتخصصة في التحقق من المعلومات والأخبار المضللة والإشاعات, أشارت من جهتها إلى وقوع العزي بفخ الفبركة, فيما أكدت أن الصورة المأساوية هي في الحقيقة من مأرب, قبل أن يقود هذا المسؤول الحوثي ذاته عبر تغريدة له إلى الاعتراف بتزييف الصورة واعتذاره عن نشرها, فيما عاد إلى التأكيد أن "هذا لا يعني بالضرورة أن تكون نتيجة لصاروخ حيث لا يتوفر أي دليل صحيح على ذلك", ضمن محاولة مستمرة لنفي مسؤولية الجماعة المسيطرة على العاصمة اليمنية منذ سبتمبر/أيلول 2014 التي قالت هي الأخرى أنها استهدفت مقرًا عسكريًا قريبا من محطة المحروقات.
يتابع الفريق هذه القصص في سياق تدقيق الأخبار المضللة المتعلقة بضحايا الحرب والألغام من النساء والأطفال وكبار السن في اليمن خلال الفترة (2015 - 2021), مغطيًا ثمان محافظات هي "عدن, أبين, الضالع ولحج" إلى جانب "الحديدة, تعز, مأرب والجوف".
مدنيون في مرمى الاستهداف
على صعيد مشابه, تعرض سجن للنساء في محافظة تعز, جنوبي غرب البلاد, لقصف مميت, 5 أبريل/نيسان 2020, أدى إلى مقتل خمس سجينات وطفلتان وشرطية، وجُرح تسعة مدنيين بينهم ست نساء وطفلتين ومدني. حسب تقرير صادر عن منظمة مواطنة لحقوق الإنسان صدر في الشهر ذاته.
وسائل إعلام تابعة لجماعة الحوثيين نشرت نفي متحدثهم العسكري بشكل قاطع وقوفهم خلف القصف, غير أن التقرير السنوي الثامن لـ"اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن", يوليو/تموز 2020, تضمن تسمية الحوثيين "الجهة المسؤولة عن قصف السجن", وهو ما جاء متطابقًا في تقرير منظمة مواطنة.
يتصدر الاستهداف والقصف العشوائي قائمة أنواع الانتهاكات التي تسببت بإعاقة أكثر الضحايا المدنيين من النساء والأطفال وكبار السن، إضافة إلى تجنيد الأطفال والألغام والعبوات الناسفة في الثمان المحافظات المستهدفة التي بلغت إحصائيات معاقيها من جرحى الحرب أكثر من 9 آلاف شخص.(13)
صدمة أن يفيق!!!
في الـ5 من يوليو/تموز 2016, خرج عمار ياسر الصبري من منزله في قرية العياني بمحافظة إب, وسط اليمن, لجلب احتياج لـ والدته من مكان قريب. وبينما توقف لبضع دقائق لمشاهدة أصدقاء له وجدهم يلعبون في الطريق، دوّى انفجار عنيف لقذيفة صاروخية, "قُتل ثمانية من أصدقائي وأصبتُ في رجليّ", يقول عمار.
يتذكر "كان ذلك قبل العيد بيوم واحد. صديقي سليم أصيب بجروح بالغة. حرمنا الحادث أن نمارس حياتنا كباقي أطفال العالم".
حين نُقل الصبري ذو الـ10 سنوات إلى المستشفى كان فاقد الوعي قبل أن يفيق ويسأل كل من بقربه: "أين رجلي؟", بعد أن تعرضت إحدى رجليه للبتر, ولم يجبه أحد! "صدمت عندما وجدت أصدقائي مصابين, كانت مشاهد الدماء تغطيهم", يقول.
يروي عن رحلة علاجه إلى مدينة عدن, العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية: "ذهبت إلى مركز الملك سلمان. قدموا لي طرفًا اصطناعيًا, لكنه لم يتماشَ معي. قام أبي بتسفيري إلى المركز العربي للأطراف الصناعية في سلطنة عُمان. تمكنت من استخدام طرف جيد, الحمد لله مشيت به".
بصوت حزين مضى إلى القول: "أخذت الحرب منّا كل شيء, دمرت بلادنا. لا تزال تقتل الأطفال والنساء. تسببت في وفاة كثيرين ونزوحهم", يأمل اليوم أن "تتوقف الحرب لينتهي الألم وتعود حياة الناس من جديد وأحسن مما كانت عليه".
لم يعد عمار يقوى على اللعب بعد الإصابة، لكنه يطمح "أن أكمل دراستي حتى أصبح دكتورًا في المستقبل ولو بقدم واحدة".
مدير مكتب حقوق الإنسان في العاصمة صنعاء, المقيم في مأرب, فهمي الزبيري قال إن "الوضع كارثي بسبب جماعة الحوثي المسلحة والجريمة الأكبر تتمثل في استهداف الآمنين والمدنيين"، مشيرًا إلى "أكثر من 350 صاروخًا باليستيًا على مأرب خلال الحرب إضافة إلى الكاتيوشا ومختلف المقذوفات التي تستهدف المدنيين وينتج عنه قتل النساء والأطفال".
من جهتها, تقول منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة "يونيسيف" في مذكرة إحاطة عن أوضاع الأطفال في اليمن, أكتوبر/تشرين الأول 2021: "لقد وصل الصراع في اليمن للتو إلى معلم مخزي آخر: فقد قُتل أو شوه 10 آلاف طفل منذ بدء القتال في مارس/أذار 2015؛ أي ما يعادل أربعة أطفال كل يوم".
وبلغ عدد المصابين من الأطفال في المحافظات الثمان خلال الفترة منذ سبتمبر/أيلول 2014, حين استولت جماعة الحوثيين على السلطة في العاصمة اليمنية, حتى ديسمبر/كانون الأول 2018 ما يصل إلى 3373 طفلًا, تسبب القصف بـ2221 حالة, والرصاص 663، فيما توزعت بقية الإصابات بين القنص والألغام والمواجهات، وقد حُمّلت جماعة الحوثي مسؤولية 3262 إصابة منها, و215 الحكومة اليمنية والتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية منذ بدء مساندته في مارس/آذار 2015, وفق ما تضمنه تقرير "اغتيال البراءة" الذي يغطي الانتهاكات الستة المرتكبة من قبل أطراف النزاع بحق الأطفال في اليمن, والصادر عن التحالف اليمني لرصد حقوق الإنسان, تأسس في يناير/كانون الثاني 2015 لعديد منظمات مجتمع مدني.
كاتيوشا اللا اهتمام!!
كان الطفل محمد يحيى إبراهيم ذو الـ15عامًا قد نزح مع عائلته من "عزلة الهجرة" بمحافظة عمران إلى محافظة الجوف, شمالي اليمن, قبل أن يفقد يده اليمنى وعينه اليسرى في 14 ديسمبر/كانون الأول 2019 بفعل شظايا صاروخ كاتيوشا سقط في حوش منزله في منطقة الغيط التي استقبلت نزوحهم في المحافظة الحدودية مع المملكة العربية السعودية.
شاكيًا الإهمال "لم أتلق دعمًا من أي جهة حكومية أو غير حكومية طيلت فترة الإصابة", يقول. وهو الآن لا يقوى على إمساك القلم بيسراه فيما يهوى الرسم ويكتب جيدًا, وما زال يعاني حتى لدى تناول الأكل.
ويبلغ عدد المعاقين جراء الحرب والألغام في الجوف حتى عام 2021 (670) معاقًا, وفقًا لرئيس جمعية المعاقين في المحافظة يوسف نبهان الحجوري.
طاله في حضن أبيه!!
منذ اندلاع الحرب عام 2015, ظل الخطر محدقًا بالأطفال في عموم البلاد, أمام فوهة قناص أو على شرك لغم, قد تذهب حياة بكاملها أو نصف حياة تلازمهم خلالها المعاناة كما حدث للطفلين زايد ومنصور اللذين فرقهما المكان قبل أن تجمعهما الإصابة.
زايد خالد سالم, 9 أعوام, لم يكن يعلم أن لغمًا قد زُرع بالقرب من منزله في محافظة لحج, جنوبي اليمن, أفقده القدم اليسرى في 9 يونيو/حزيران 2015, فيما تسببت الإصابة بإعاقته في القدم الأخرى.
"سافرت على نفقة الهلال الأحمر الإماراتي إلى الهند لتلقي العلاج. أُجريت لي عدد من العمليات الجراحية، وأنا حاليًا بحاجة للعودة مجددًا لاستكمال العلاج هناك وفق قرار الأطباء", يقول "لكن إمكانيات أسرتي لا تسمح لذلك".
منصور مروان، قرابة العشر سنوات من عمره حاليًا, أصيب برصاص قناص في عامه الثاني, 2015, عندما نزحت أسرته من مديرية المعلا إلى مديرية دار سعد في محافظة عدن, العاصمة المؤقتة للبلاد, حسب رواية والده الذي اتهم جماعة الحوثيين بالوقوف خلف الحادثة.
وفقًا لـ مروان, الأب, أصابت الطلقة الفخذ الأيمن لطفله منصور وعمره عام ونصف بينما كان في حضنه أثناء مروره الشارع المجاور لمنزل العائلة، وقد تضرر الأب هو الآخر أن نفذت الطلقة إلى بطنه.
بُترت رجل منصور حينها، وبعد مرور سبع سنوات من الإصابة حصل على ثلاثة أطراف صناعية من جهات مختلفة خلال فترة نموه. يقول والده إنه بحاجة إلى طرف صناعي كل ستة أشهر نتيجة النمو "نواجه صعوبة في الحصول على ذلك", يضيف "كان المصور نبيل القعيطي (قُتل على يد مجهولين في العاصمة المؤقتة عدن, يونيو/حزيران 2020) أكثر من يهتم بـ منصور ويدعمه في نقل معاناته, فيما لم يصل إلينا أحد بعد اغتياله".
صالح علي المنتصر, وهو مدير التخطيط والتدريب في المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام بالعاصمة المؤقتة عدن, أوضح لفريق التحقيق أن إجمالي الضحايا الذين رصدهم المركز خلال الفترة منذ 2016 حتى 2021 بلغ 3296 معاقًا من الجنسين في محافظات (عدن, لحج, أبين) إلى جانب تسعة معاقين من محافظة الضالع يسكنون في عدن, مضيفًا "عدد المعاقين الأطفال والكبار من الجنسين بلغ خلال الحرب 1036 في عدن، و1322 في لحج".
أن لا تشرق الشمس من جديد!!
في محافظة مأرب, شمالي شرق اليمن, التقينا راوية حسين الخريصي, 30 عامًا، التي نزحت عام 2015 من عزلة آل عمر سعد بمديرية نهم شرقي العاصمة صنعاء قبل أن تعود إلى منزلها على إثر انسحاب مقاتلي جماعة أنصار الله حينها عام 2016, والذين عاودوا الاستيلاء على المنطقة في وقت لاحق.
لـ دنو غروب الشمس ذهبتْ لإعادة أغنامها إلى الزريبة التي تبعد عن باب المنزل بحوالي مئة وعشرين مترًا تقريبًا فـ"شعرتُ أن شيئًا قذف بي إلى أعلى, وصرخت. كانت القرية خالية من السكان إلا قليلًا من العائدين الذين كنا من أولهم". وحين هرع إليها ولدها الأكبر محمد, 21 عامًا, تروي باكية "قبل أن يصل إليّ انفجر به لغم آخر ومات في الحال. كانت لحظة لا يصف قسوتها كلام".
تعيل رواية أربعة أبناء بينهم فتاتان, وهي أرملة. أسعفنها نسوة من القرية إلى المستشفى، قبل انتشال جثة ولدها. وقد بُترت رجلها اليمنى أعلى الركبة، وأجريت لها ثلاث عمليات في رجلها اليسرى على وقع الإصابة المروعة.
"قبل الحادثة كنت أستطيع المشي والعمل ورعي الأغنام. كنت أجلب الماء من مسافة بعيدة لخلو منطقتنا من مشاريع المياه. كنت أجلب الحطب أيضا من أماكن بعيدة", تقول "بعد الإصابة لم أعد باستطاعتي حتى سقاية نفسي الماء".
مخنوقة الذكرى تضيف: "انفجار اللغم بي واستشهاد [مقتل] ابني أمام عينيّ أصعب موقف في حياتي لم يغادر مخيلتي ولن يغادر ما حييت".
أكد مُدخل بيانات مركز الأطراف الصناعية والتأهيل في محافظة مأرب قلب الدين صالح مهيب أن المركز استقبل عديد حالات الإعاقة، فيما تفاوتت نسبة الإعاقة من فئة إلى أخرى "الأطفال 5%, النساء 10% والرجال 50% من إجمالي المعاقين", مشيرًا أن عدد المعاقين يزداد عن 1500حالة، منهم 15% من محافظة مأرب, و85% من النازحين إليها.
يقول عبدالعليم باعباد, دكتوراه في القانون الدولي العام، إن الضحايا من الأطفال والنساء هم الطرف الأضعف في كل صراع فهم معتدى عليهم في أماكنهم ومحل سكناهم ويتعرضون للقصف أو الهجوم من الأطراف بشكل عام وإن كانت غير مقصودة, حد تعبيره.
أن تلجم الفرح رصاصة قديمة!
بينما كانت نجاة محمد, 27 عامًا, تساعد عائلتها لتحضير وليمة الفرح في عرس أخيها الأصغر، طالتها طلقة دوشكا بفعل اشتباكات على مقربة منهم في إحدى قرى محافظة تعز, جنوبي غرب البلاد, حوّلت العرس إلى فاجعة.
"سمعتُ صوتًا قويًا ثم أغمي عليّ. لاحقًا عرفت أنه لطلقة دوشكا", تقول. وكانت نجاة قد وصلت رفقة زوجها وطفلتيها قادمة من محافظة الحديدة المجاورة, على ساحل البحر الأحمر, فيما كانت المواجهات محتدمة في أجزاء واسعة من محافظة تعز بين القوات الحكومية ومقاتلي أنصار الله الحوثيين.
على نحو من الحنين إلى ذكرى قريبة "كنت متزوجة, أعيش حياتي مع زوجي وطفلتي على ما يرام", قبل أن يخالط صوتها الأسى "بعد إصابتي تخلى عني أقرب الناس إليّ".
اخترقت طلقة رشاش سوفياتي قديم عيار 12.7 مم, فخذها الأيمن وأجزاء من الفخذ الآخر, لتبتر أوردة وشرايين وأعصاب. تضطرب حركة يدها بين مكان إصابتها وفمها, ببكاء تسرد كيف ظلت تنزف "فترة ولم يتجرأ أحد من أهلي على إسعافي؛ جراء عمليات القنص, فالناس في منازلهم وأي حركة تظل هدفًا" للإطلاق, قبل أن تتشجع أمها وجارتها "على الخروج إليّ وحملي إلى داخل المنزل".
تضيف "أُجريت لي إسعافات أولية وقت صلاة الجمعة. ذهبت أمي للبحث عمن يسعفني", بينما كان الناس حبيسي منازلهم لتفادي عمليات القنص والمواجهات "وبعد جهد جاء أحدهم بحافلة. أسعفوني إلى المستشفى", تقول.
وحين علمت أن رجلها على وشك البتر, أضربت عن الطعام وأصبحت حياتها يأسًا كفقدان الأمل. ضاعف من حزنها أن تتذكر طفلتين بحاجة للرعاية.
"أكثر ما أتعبني وأثّر بي فوق قهري على نفسي أن تصبح بناتي في حالة من العذاب دون أي ذنب", أخذتْ نفسًا طويلًا عِوض الحديث.
يوضح مدير مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بمحافظة تعز, عبده علي محمد "لدينا معوقات مادية, إذ لا يكفي الدعم لكل ضحايا الحرب", مع تزايد أعدادهم فـ"ما يأتي من المنظمات المحلية والدولية والحكومية قليل جدًا لا يلبي الخدمة لهذه الشريحة".
مضت سنتان تقريبًا على إصابة نجاة، وإلى الآن لم تستطع التحكم في رجليها أو المشي عليهما، إذ لم تتلق علاجًا يعينها على تحمل جزء من الإعاقة. وقد حمّلتْ أطراف الصراع في اليمن مسؤولية المعاناة التي يكابدها المدنيون في كل المحافظات.
المركز الوطني للتعامل مع الألغام في محافظة تعز وثق 2473 حالة إعاقة في إحصاءاته لـ الألغام والمواد المتفجرة ضمن نطاق المديريات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا, منها 1658 حالة وسط الرجال و373 من النساء, وكانت ثاني أكبر إصابة بالإعاقة وسط الأطفال بـ442 حالة, حسبما قاله إبراهيم سنان, نائب مدير المركز.
مليون لغم محتمل!!!
رغم توقيع الحكومة اليمنية على معاهدة حظر الألغام عام 1998, إلا أن انتشار عمليات زراعة المتفجرات هذه, والملقاة حصرًا على عاتق المتمردين الحوثيين, تتغلب كل مرة على جهود النزع والاتلاف في البلد الغارق للعام الثامن على التوالي وسط أسوأ كارثة إنسانية على مستوى العالم خلال الألفية الجديدة جراء الحرب.
وفق تقرير الشفافية الذي قدمه اليمن عام 2017, وهو التقرير الأخير من نوعه، "هناك 569 منطقة ملوثة بالألغام تغطي مساحة 2323 كيلومتر مربع.
لم تقف الأرقام عند هذا المستوى, إذ يرجح مدير التخطيط والتدريب في المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام صالح علي المنتصر ازدياد استخدامها في محافظات تعز والحديدة ومأرب والجوف حيث ما زالت جبهات الحرب المشتعلة, مشيرًا على وجه التحديد إلى أكثر من مليون لغم بأنواع وأشكال مختلفة يُتوقع زراعتها وفق المؤشرات والنتائج العملية لفرق النزع الميدانية, حسبما قال.
وينشط البرنامج الوطني للتعامل مع الألغام في إحدى عشرة محافظة, منها ثمان محافظات محور التحقيق إلى جانب محافظتي شبوة وحضرموت شرقي البلاد, ومحافظة صعدة المتاخمة للسعودية وحيث المعقل الرئيس لزعيم جماعة أنصار الله عبدالملك الحوثي، عبر أكثر من 60 فريقًا يتبعون المركز, منها ثلاث فرق نوعية يجري تدريبها باستخدام الكلاب.
وتبلغ المساحة المطهرة بجهود البرنامج الوطني 30 ألف كيلومتر مربع تقريبًا. "وهي مساحة هائلة", بحسب المنتصر. فيما يبلغ إجمالي المنزوع 638,732 من الأجسام الخطرة ما بين مخلفات الحرب والألغام المضادة للأفراد والدبابات والعبوات الناسفة, مؤكدًا "يعقب النزع عمليات التخلص منها في مواقع محددة ومهيأة مسبقًا".
وبالإضافة إلى البرنامج الوطني للتعامل مع الألغام في اليمن، يعمل المشروع السعودي (مسام) منذ يوليو 2018 على نزع الألغام من المناطق التي تتمكن الحكومة اليمنية في استعادتها من أيدي الحوثيين المتهمين الوحيدين بنصبها طيلة سنوات الحرب حتى الآن.
من جهته, تمكن المشروع السعودي (مسام) من نزع 289,046 لغمًا وعبوة ناسفة خلال الفترة من منتصف يوليو/تموز 2018, حتى الـ19 من نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
أسامة القصيبي, مدير (مسام), أكد في مؤتمر صحفي عقده في العاصمة المؤقتة عدن, 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2021, "أن إجمالي المساحة التي تم تطهيرها بلغت 28 مليون متر مربع في مختلف المحافظات اليمنية".
أضاف: لدى المشروع فرق هندسية ثابتة تعمل في عديد المناطق اليمنية، بالإضافة إلى فرق متحركة تعمل وفقًا للحاجة في المجال الفني والمسح والانتزاع المباشر.
وفقًا لـ تحالف رصد في تقريره "القاتل الخفي", وخلال الفترة من ديسمبر/كانون الأول 2014 إلى ديسمبر/كانون الأول 2016, بلغ إجمالي الألغام المنزوعة في المحافظات الثمان 39,634 لغمًا, منها 26,755 مضاد أفراد و12,879 مضاد دروع.
بخلاف "محمد" هذه المرة!!
أصيب الطفل محمد عبدربه علي, 16 عامًا, في مدينة الحوطة بمحافظة لحج, جنوبي اليمن، مايو/أيار 2015. نالته شظايا قذيفة في رقبته وقدميه. تنقل بين عديد المستشفيات في عدن وصنعاء ليقرر الأطباء بتر أحد أقدامه، قبل أن ترفض والدته القرار وتسافر به إلى مصر حيث مكث لتلقي العلاج ثلاثة أشهر. استمرت الأم في إصرارها عدم بتر قدم ابنها, وسافرت به مجددًا إلى الأردن, قبل أن يعود إلى عدن فتدخله أحد مراكز التأهيل والعلاج الطبيعي، وقد تمكن بعد سنة من العلاج أن يقف على قدميه واستعادة قدرته على المشي.
بخلاف محمد, اضطرت الإصابة عديد الحالات من فئتي النساء والأطفال إلى القيام بعمليات الأطراف المتضررة، منها 2380 حالة تلقت العلاج في مركز الأطراف الصناعية والعلاج الطبيعي بمديرية المنصورة في عدن خلال الفترة من 2015 حتى 2021، بحسب عبدالله القيسي مدير عام المركز الذي قدّم خدمات علاجية متعددة لـ 24,199 من ذوي الإعاقة بشكل عام, كان ما يزيد عن نصفهم من جرحى الحرب والألغام من مختلف المحافظات اليمنية خلال عامي 2020/2021.
المدير الإقليمي لبرنامج الأطراف الصناعية وإعادة التأهيل في اليمن محمد ديب درباع, أكد أن الجمعية الدولية لرعاية ضحايا الحروب والكوارث, وهي الشريك المنفذ لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية, بادرت بتشغيل برنامج الأطراف الصناعية وإعادة التأهيل في الجمهورية اليمنية لتقديم الخدمات الصحية المجانية في أربع محافظات, ثلاث منها ضمن نطاق تحقيقنا, مأرب وعدن وتعز، إلى جانب حضرموت.
وأوضح أن مراكز برنامج الأطراف الصناعية وإعادة التأهيل تأسست في أبريل/نيسان 2017 بمحافظة مأرب, وفي 2020 في محافظتي عدن وتعز قبل أن تصل مؤخرًا إلى حضرموت، مشيرًا أن عدد المستفيدين من مراحل البرنامج في عموم اليمن حتى نهاية سبتمبر/أيلول 2021, بلغ أكثر من 19,191 مستفيدًا تحصلوا على خدمات نوعية مجانية، بلغت 55,349 خدمة, فيما بلغت الطاقة الإنتاجية 3,461 طرفًا صناعيًا و تقويمًا حديثًا.
تجنيد أكثر من ألفي طفل خلال 4 سنوات!!
حسين المشدلي نائب رئيس "اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان"، أوضح أن الألغام وصلت إلى أسرّة العائلات ووُضعت بعضها للأطفال على شكل ألعاب.
وفيما تتفرد جماعة الحوثيين في استخدام الألغام, قال المشدلي إنها تشترك مع بقية الأطراف بنسب متفاوتة في تجنيد الأطفال.
وأشار تقرير لـ تحالف رصد قيام أنصار الله الحوثيين بتجنيد 2084 طفلًا وسط مقاتليهم أصيب منهم 495 مقابل 146طفلًا تم تجنديهم وسط القوات الحكومية المعترف بها دوليًا وقع 78 منهم جرحى المواجهات خلال الفترة من يوليو/تموز 2014 حتى يوليو/تموز 2018.
حقوق الضحايا.. المعلومات والانتهاكات!!
ليس بيد فريق التحقيق تسمية دقيقة للمتسببين بالانتهاكات التي تعرض لها الأطفال والنساء في اليمن خلال سنوات الحرب حتى الآن, حيث تقاسمت مختلف الأطراف مسؤولية متفاوتة, لكن نتائج تقارير اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الانسان ومنظمات محلية أخرى, حملت مؤشرات مهمة في تحديد وقائع كل طرف.
كان مجلس حقوق الإنسان التابع لـ الأمم المتحدة صوّت في دورته الـ 48 التي انعقدت في أكتوبر/تشرين الأول 2021، بإنهاء ولاية فريق الخبراء الدوليين ومنح الثقة لـ"اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان", المنشأة بموجب القرار الجمهوري رقم 140 لـ عام 2012 واستنادًا إلى نصوص المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقراري مجلس الأمن رقم 2051 لسنة 2012 ورقم 2140 لسنة 2014 وقرارات مجلس حقوق الإنسان ذات الصلة.
رئيس اللجنة القاضي أحمد سعيد المفلحي قال إنها آلية وطنية مستقلة تعمل بحيادية في رصد وتحقيق الانتهاكات المرتكبة من جميع الأطراف سواءً الحكومة الشرعية أو التحالف العربي أو جماعة الحوثي أو أي قوى متواجدة على الأرض، مشيرًا أنها تعمل في عموم المحافظات اليمنية من خلال شبكة منتشرة ومتعاونين في كافة المناطق التي لا يصل إليها الراصدون.
أضاف أن النظر للقضايا يتم بحيادية في سبيل حفظ حقوق الضحايا وضمان المعلومات الدقيقة والانتهاكات حسب نوع الضرر ومكانه والجهة المنتهكة في السجلات, حسبما قال.
تقارير اللجنة تشير أنها تعمل كل مرة على التواصل مع قيادة جماعة الحوثيين في العاصمة صنعاء من خلال تحرير عدد من المذكرات الموجهة إلى رئيس المكتب السياسي للجماعة, بهدف الرد على استفساراتها حول الانتهاكات التي تقوم بالتحقيق فيها، إلى جانب طلب تحديد ضابط اتصال للرد على تلك الاستفسارات, كان آخرها المذكرة المؤرخة في 26 يوليو/تموز 2021, والمسلمة عبر راصد اللجنة في صنعاء، إلا أنها لم تتلق أي رد من قبل الجماعة بهذا الشأن، وهو الإجراء الذي تتعامل به الأخيرة مع معظم الجهات الوطنية والدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان. غير أن هذا لم يثن اللجنة عن مواصلة عملها في الرصد والتحقيق لكافة أنواع انتهاكات حقوق الإنسان في كافة الأراضي اليمنية بما فيها مناطق سيطرة هذه الجماعة وفق ما تؤكده في كل تقاريرها.
تحصل فريق التحقيق على إحصائية خاصة من هذه اللجنة تشمل تفصيلًا لحالات الإصابة والأطراف المتسببة, فـ عدد الضحايا المصابين لفئتي النساء والأطفال من إجمالي الانتهاكات المنسوبة لتحالف جماعة أنصار الله الحوثيين وقوات الرئيس السابق, المنفك تحالفهما في ديسمبر/كانون الأول 2017, خلال الفترة من 2016 حتى 2021 بلغت 1978 حالة, معظمها جراء الاستهداف, فيما كانت الانتهاكات المنسوبة للقوات الحكومية وطيران التحالف العربي خلال الفترة ذاتها 286 حالة، إضافة إلى انتهاكات بحق ثلاث نساء وستة أطفال نُسبت إلى قوات الدعم والإسناد والحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا, والمسيطر عسكريًا على العاصمة المؤقتة عدن منذ أغسطس/آب 2019, قبل انضمامه إلى حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب وفق اتفاق الرياض الذي رعته الحكومة السعودية بينه والحكومة اليمنية قبل أكثر من عامين.
تقول منظمة "مواطنة" لرصد انتهاكات حقوق الإنسان, ومقرها العاصمة صنعاء, أنها وثقت خلال العام 2021، ما لا يقل عن 18 هجمة جوية، راح ضحيتها 11 طفلًا و 8 نساء من إجمالي 43 مدنيًا, فيما أدت الهجمات البرية على المناطق الآهلة بالسكان إلى أضرارٍ بالغة في الممتلكات الخاصة والأرواح بين أوساط المدنيين. فـ ما يقارب 64 هجمة برية أدت إلى إصابة ما لا يقل عن 173 مدنيًا، بينهم 71 طفلًا و32 امرأة. قالت "مواطنة" إن جماعة أنصار الله (الحوثيين) تتحمل المسؤولية في 43 واقعة، فيما تتحمل قوات حرس الحدود الملكية السعودية مسؤولية 12 واقعة، والقوات المشتركة 6 وقائع، بينما ارتكبت القوات الحكومية واقعتين، وقوات المجلس الانتقالي واقعة واحدة.
وحول الألغام والأجسام المتفجرة وثقت المنظمة التي تأسست رسميًا عام 2013 ما يقارب 36 واقعة انفجار ألغام خلال عام واحد، راح ضحيتها من المصابين 82 شخصًا بينهم 46 طفلًا و16 امرأة, محملة الجماعة الشيعية المدعومة من إيران مسؤولية زراعة جميع الألغام, فيما وثقت 47 واقعة أجسام متفجرة أصابت 124 شخصًا بينهم 49 طفلًا و10 نساء, دون تحميل أطراف مسؤولية الانتهاكات هذه المرة.
الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم، فـ 4 من كل 5 أطفال، أي نحو 11 مليون، يحتاجون لمساعدات إنسانية في اليمن، وفيما يعاني نحو 400 ألف من سوء تغذية حاد، وثقت الإحصاءات خروج ما يتجاوز الـ 2 مليون من التعليم، إلى جانب أربعة ملايين آخرين معرضين لخطر التسرب.
1.7 مليون من الأطفال نازحون داخليًا جراء العنف، فيما لا يحصل 15 مليون شخص (ما يقارب الـ57% منهم أطفالًا) على المياه الصالحة للشرب أو الصرف الصحي أو النظافة.
تبيَّن وجود 8,4 مليون امرأة و2,1 مليون طفل و3 مليون شخص معاق و1,2 مليون رجل بحاجة إلى المساعدة للوصول إلى الخدمات الصحية، حسب المتحدث باسم اليونيسف جيمس إلدر، في المؤتمر الصحفي الذي عقده في جنيف في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
ووفق التقارير الصادرة عن برنامج الأغذية العالمي WFP ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، تزداد نسبة المعاناة كل عام. ومع أوائل عام 2021، أفاد البرنامج أن “أكثر من 400،000 طفل معرضون لخطر الموت” و 16.2 مليون شخص يواجهون انعدامًا حادًّا في الأمن الغذائي.
حسب التحديث التشغيلي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في اليمن، والذي يغطي الفترة من 14 إلى 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، هناك "20.7 مليون شخص بحاجة للمساعدة، وأكثر من 4 ملايين نازح داخليًا، 80% منهم نزحوا خلال عام واحد. وبلغ عدد الأسر النازحة عام 2021 (22،925) أسرة، يمثل الأطفال والنساء ما يصل إلى 79% من إجمالي السكان النازحين داخليًا.
ووثق تحالف رصد خلال الفترة من مايو/أيار 2014 حتى مايو/أيار 2021 تجنيد جماعة الحوثي لـ(12054) طفل، بينهم (308) أطفال ينتمون للفئة العمرية من 8 إلى 11 عامًا، و(4430) أعمارهم بين 12 إلى 14 عامًا، فيما ينتمي (7305) للفئة من 15 إلى 17 عامًا.
فيما قالت منظمة سياج اليمنية لحماية الطفولة في بيانها الصادر في يونيو/حزيران 2021 أن نصف مليون طفل - على الأقل – تم تجنيدهم خلال العام الماضي من قبل جماعة الحوثيين عبر ستة آلاف مخيم صيفي، وتوقعت إشراك أعداد كبيرة في جبهات القتال، مشيرة أن الأطفال الجنود عرضة للاستغلال الجنسي بمختلف أشكاله.