تغير المُناخ: الموت القادم إلى اليمن؟

2023-10-30

مؤسسة الصحافة الإنسانية - بسام القاضي*

"كنت أعيش رفقة أسرتي الصغيرة في منزل صغير يسترنا داخل مزرعتنا التي من خلالها نربي "الأغنام" مصدر عيشنا الوحيد، فجأة فقدنا كل شيء بسبب الفيضانات والسيول" يقول الثلاثيني وديع التهامي.

بعد أن فقد التهامي كل شيء بسبب الفيضانات نزح مشردًا من محافظة حجة شمال غرب اليمن، إلى إحدى مخيمات حي "الشعب" بمديرية البريقة غرب مدينة عدن، جنوبي اليمن، "نحن هنا نموت جوعا، بلا مياه، كهرباء وغذاء " يضيف التهامي.

 

 

يوما بعد آخر، تتفاقم أزمة الجوع في اليمن الذي تطحنه الحرب للعام التاسع على التوالي ويعيش أزمة إنسانية هي الأسوأ عالميا، إذ يعاني 2 من بين كل 3 أشخاص من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وواحد من بين كل 4 أشخاص من سوء التغذية.

اذ تأتي اليمن في المرتبة الثانية من بين من أصل 116 دولة، تعاني من انعدام الأمن الغذائي وفق مؤشر الجوع العالمي لعام 2021.

وحتى آذار/مارس المنصرم يواجه ما يقدّر بنحو (17) مليون شخص، أي حوالي 60% من السكان، الجوع وانعدام الأمن الغذائي المزمن وسوء التغذية، وفقا لتقرير حديث للبنك الدولي إذ تُعدّ من بين التحديات الأكثر إلحاحاً في اليمن، التي تفاقمت جراء التعرض الكبير لتأثيرات التغيرات المناخية المدمرة، واستمرار الصراع الذي طال أمده في البلاد.

 

 

"يتسبب تغير المناخ بمخاطر إضافية في اليمن، لا سّيما بالنسبة إلى الفئات الأكثر ضعفًا، وعلى مدى الأعوام الأخيرة، أدت الأمطار الغزيرة إلى فيضانات مفاجئة تسببت في وفيات وأضرار واسعة النطاق للمنازل والبنية التحتية والمحاصيل" يشير تقرير البنك الدولي ذاته.

 

 

وبحسب الأمم المتحدة فإن أكثر من نصف سكان اليمن ستستمر معاناتهم من مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي، مما قد يؤدي إلى وضع كارثي لقرابة 6 ملايين شخص.

ويواجه أكثر من ثلثي سكان اليمن خطر الجوع بحسب منظمة "الفاو"، ويحتاجون بشكل عاجل إلى مساعدات لإنقاذ أرواحهم والحفاظ على سبل معيشتهم.

ووفقا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو" يؤثر تغيُّر المناخ بشكلٍ مباشر وغير مباشر على الإنتاج الزراعي، بسبب تغيُّر أنماط تساقط الأمطار، والجفاف، والسيول، وإعادة التوزع الجغرافي للآفات والأمراض. وبالتالي يتعذر القضاء على الجوع، بصفته جزءاً من التنمية المستدامة، من دون التصدِّي لتغيُّر المناخ".

يقول حسين جادين، ممثل منظمة الفاو في اليمن: "لا تزال مستويات انعدام الأمن الغذائي في اليمن مرتفعة بشكل غير مسبوق. تشير آخر إحصائيات التصنيف المرحلي المتكامل إلى أن أكثر من 16 مليون شخص يعانون من انعدام شديد في الأمن الغذائي. ولا يُظهر التحليل الأخير أي مؤشر على التحسن".

يعد وضع الأمن الغذائي بحسب الدكتور فيصل باقتادة أستاذ الجغرافيا المناخية المساعد بجامعة عدن، تحديًا كبيرًا لليمن، نظرا للأزمة الإنسانية الحالية وتدهور الظروف الاقتصادية والسياسية في البلاد، مؤكدًا بأن الوضع المعيشي والاقتصادي في اليمن يعتبر هشًا ومعقدًا بالفعل قبل حدوث التغيرات المناخية، التي بدورها ستوسع من دائرة الفقر وغياب الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي".

 

 

ويرى باقتادة بأنه يمكن تقييم أثر التغيرات المناخية على اليمن من خلال انخفاض "إنتاج الغذاء، نقص الموارد المائية، تدهور البنية التحتية، والهجرة وفقدان الوظائف، وأن هناك عديد إجراءات يمكن اتخاذها لتحسين الوضع الحالي، تشمل تعزيز الإنتاج المحلي، وتحسن في التسويق والنقل، تعزيز السلامة الغذائية، توفير المساعدات الغذائية الطارئة، بالإضافة إلى تعزيز الاستثمار والتعليم في القطاع الزراعي.

يقول الدكتور باقتادة بأن "تنفيذ هذه الاجراءات يتطلب جهود مشتركة من الحكومة المحلية والمنظمات غير الحكومية والمجتمع الدولي. يجب أن يتم تخصيص الموارد المالية الكافية لتنفيذ هذه الإجراءات وتحقيق الأمن الغذائي المستدام في اليمن".

 

 

 "يمكن أن تعزز المرونة وتخفف من تأثير التغيرات المناخية على الوضع المعيشي والاقتصادي في اليمن من خلال تعزيز الاستدامة وتنمية المرونة في الاقتصاد اليمني وتحسين البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية، بالإضافة إلى تنفيذ استراتيجيات مواجهة التغيرات المناخية" يشير أستاذ الجغرافيا المناخية المساعد.

 

 

ويتابع الدكتور باقتادة "الاستجابة للمتغيرات المناخية والتكيف معها وتجنب المخاطر في اليمن يمكن من خلال اتباع بعض 8 إجراءات، تتمثل في التوعية والتثقيف، تحسين البنية التحتية، التحكم في استخدام الموارد الطبيعية، التنوع الزراعي، تطوير الرقابة والتخطيط، تعزيز الدعم الحكومي، التعاون الدولي، التأمين والتخطيط للطوارئ".

وأضاف: "إن تجاوب اليمن مع التغيرات المناخية وحماية الأمن الغذائي يتطلب تطوير استراتيجيات مستدامة للتكيف مع هذه التغيرات، بما في ذلك تحسين إدارة الموارد المائية، وتعزيز الزراعة المستدامة واستخدام التقنيات الزراعية المبتكرة وتشجيع التنوع البيولوجي وإيجاد حلول لتقليل الجفاف والاستفادة الأمثل من الموارد المتاحة".

 

 

 

وكشفت دراسة حديثة بأن ما يقارب من 8 مليون يمني، يعانون من نقص حاد في الأمن الغذائي، ومليوني شخص يعانون من سوء التغذية، وإن شحة الموارد المائية هي العنصر المحدد الذي يشكل عائق كبير في تطوير وزيادة معدلات الإنتاج الزراعي.

الدراسة التي نشرت في ديسمبر/ كانون أول 2020، بمجلة حوليات العلوم الزراعية بمشتهر وتضمنت تشخيص واقع الأمن الغذائي وقياس الفجوة الغذائية في اليمن للفترة من 1990 - 2019، شددت على أهمية وضرورة إعطاء اهتمام كافي للقطاع الإنتاجي الغذائي لمواكبة تطور النمو السكاني في اليمن، وتوفير احتياجات السكان من الغذاء.

 

 

وأكدت الدراسة أن اليمن تأثرت بالفعل بالحرارة وندرة المياه، وأهم سبب هو ارتفاع درجة حرارة الارض وقد يرتفع بما يصل إلى 8 درجة مئوية وهذا يؤدي إلى انخفاض تدفق المياه بنسبة 75%، وقد يزداد جفاف الأراضي ما بين 50% إلى 60%.

وأكد الباحث الرئيسي للدراسة الدكتور عدنان الصنوي أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة صنعاء بأن القطاع الزراعي في اليمن يعتمد على 80% منه على سقوط الأمطار وحياة المزارعين معرضة للآثار السلبية لتغير المناخ.

 

 

وقال: "أن اليمن يواجه أكبر تحديين في تاريخه الحديث، الصراع القائم بين الأطراف والتغير المناخي وسط غياب تام لدى الحكومتين".

وأضاف: "أمامنا اليوم فرصة تاريخية للتكيف مع تلك المتغيرات بإتباع أنماط غذائية تتلاءم مع المنتجات الزراعية اليمنية. مع العلم إن التغيرات المناخية هي ظاهرة عابرة للحدود فمن الضروري أن تكون تحليل مخاطرها في إطار معايير لتحقيق اهداف التنمية المستدامة".

 

 

وللتخفيف من آثار تغير المناخ على اليمن يقترح الدكتور الصنوي زيادة حجم الغطاء النباتي وزراعة المزيد من الاشجار، بحلول فردية كترشيد استهلاك الطاقة كما تساهم الممارسات الزراعية المحسنة في التقليل من انبعاثات الغازات الدفيئة، وأن أهم ما يجب عمله في فترة قصيرة اتباع طريقة التكيف واستخدام طريقة الزراعة المناخية الذكية.

 يؤكد الصنوي "بأن دور الحكومات في صنعاء وعدن، إعطاء اهتمام أكبر لخطورة التغيرات المناخية ورفع مستوى الوعي لدى المجتمع، والعمل على استراتيجيات لمواجهة المخاطر وعدم الاعتماد على استراتيجيات التنمية التي وضعت في الثمانينيات".

 

 

وفي وقت سابق قالت وكالات الأمم المتحدة الثلاث "برنامج الأغذية العالمي"، "اليونيسف" و"منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة"، بأن اليمن من أكثر البلدان التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي على مستوى العالم.

 ووفقا للبيان الذي صدر أواخر مايو/أيار الماضي ما يزال اليمن بحاجة إلى إيلاء الاهتمام بالوضع فيه حيث يلاحق الجوع ملايين الأشخاص ويمكن أن يتفاقم الوضع إذا لم يتم فعل أي شيء لمعالجة الدوافع الرئيسية لانعدام الأمن الغذائي.

 

 

وزير التخطيط والتعاون الدولي في الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا الدكتور واعد باذيب قال أن أبرز التأثيرات المناخية على الأمن الغذائي في اليمن هو ما تسبب به تغير المناخ في السنوات الأخيرة من ارتفاع درجات الحرارة وتغيير أنماط هطول الأمطار في اليمن، وتسببت بندرة المياه كمشكلة رئيسية تؤثر على الإنتاجية الزراعية، وظروف جفاف شديدة تقلل من توافر المياه للري، ويجعل من الصعب على المزارعين زراعة المحاصيل والحفاظ على الثروة الحيوانية والذي يؤدي بدوره إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي ويسهم في سوء التغذية".

 

 

"أثرت أنماط الطقس غير المنتظمة وغير المتوقعة، مثل العواصف والفيضانات، بشكل سلبي على الإنتاج الزراعي في اليمن مما سبب خسائر في إنتاج المحاصيل بسبب وتآكل للتربة، وزيادة تعريض الأمن الغذائي للخطر وتعطيل مواسم الزراعة التقليدية، مما يجعل من الصعب على المزارعين تخطيط المحاصيل وزراعتها بشكل فعال" يضيف باذيب.

وأوضح باذيب بأن معالجة آثار تغير المناخ على الأمن الغذائي في اليمن يتطلب نهجًا متكاملًا، بما في ذلك الإدارة المستدامة للمياه، والممارسات الزراعية المرنة، واستراتيجية التكيف، مؤكدًا بأن الحكومة، استفادت من التوجه العالمي لتمويل مشاريع المناخ، وقامت باستغلال الفرص المتاحة لتحقيق التمويل اللازم وتنفيذ مشاريع تكييف المناخ وتخفيف الآثار السلبية على الأمن الغذائي والبيئة، رغم التحديات بسبب الأوضاع الأمنية التي تحد من الحصول على التمويل وتنفيذ المشاريع.

 

 

وأضاف: "هناك العديد من المشاريع  تم حشد التمويلات لها في مجالات الأمن الغذائي والمياه والصرف الصحي والحماية من أضرار السيول واعداد الدراسات والحشد لمشاريع الطاقة الشمسية، والتي تهدف بدورها إلى دعم مشاريع المناخ والتنمية المستدامة.

 

 

وعن  الحلول والمعالجات التي من المفترض أن تقوم الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا للتخفيف من تفاقم آثار التغير المناخي على الأمن الغذائي في اليمن، يجيب باذيب قائلًا: "لقد قامت  الحكومة باتخاذ العديد من الإجراءات للتخفيف من تفاقم آثار تغير المناخ على الأمن الغذائي، بتدخلات مختلفة في تحسين إدارة المياه وتدابير الحفاظ عليها والاستثمار في البنية التحتية للمياه، مثل أنظمة تجميع مياه الأمطار وشبكات الري الصغيرة، وتعزيز توافر المياه للزراعة وممارسات كفاءة المياه وتثقيف المزارعين حول الاستخدام المستدام للمياه، وإنشاء أنظمة إنذار مبكر والاستثمار في تحسين قدرات مراقبة الطقس والتنبؤ به، ونشر الإنذارات للمزارعين والمجتمعات الضعيفة.

  وتؤكد دراسة حديثة عن التغيرات المناخية وأثارها المستقبلية على اليمن، أعدها الدكتور علي أحمد ضيف الله أستاذ الجغرافيا بجامعه ذمار، بأن اليمن تواجه تحديات بيئية مختلفة، من أهمها التغير المناخي الذي سيكون له تأثير قاسٍ جداً على المنطقة؛ كونها تعاني من المناخ الجاف، وندرة مصادر المياه.

 

 

 وتوقعت الدراسة أن تزداد حالة الجفاف ومعدل التبخر - المرتفع أصلا- في المنطقة؛ لتصبح إحدى أكثر المناطق عرضةً لتأثيرات التغير المناخي، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة تواتر موجات الجفاف، ومن ثم نقص الإنتاج الزراعي، وانعدام الأمن الغذائي والمائي".

الدراسة التي نشرت في مجلة روئ للآداب والعلوم الإنسانية خلال سبتمبر/ أيلول 2020 الصادرة عن جامعة بسكرة في الجزائر، أوصت بضرورة إن تسعى الجهات الحكومية المعنية في اليمن بكل الإمكانيات والاليات الممكنة لتوفير التمويل اللازم لإنجاز إجراءات التكيف مع آثار التغير المناخي في اليمن.

 

 

إلى ذلك تقدر نسبة الاعتماد على استيراد الحبوب في اليمن بنحو 97٪ وتمثل 90 ٪ منتجات القمح ما بين 35 و46٪ من السعرات الحرارية التي يتناولها الفرد، وفقًا لنشرة المستجدات الاقتصادية والاجتماعية في اليمن، العدد 74، يوليو 2022.

وتعد اليمن وفقا للتقرير ذاته من الدول الأعلى في المنطقة التي تتأثر بشكل كبير بتداعيات وأثار التغيرات المناخية في العالم كونها تعتمد بدرجة اساسية في الحصول على الغذاء عبر استيرادها من الدول الأخرى.

 

 

اليمن التي تقع ضمن الدول التي تتلقى صدمات مناخية عالية، يُعتبر أيضًا بحسب البنك الدولي من بين أكثر البلدان عالميا تأثرا بالتغيرات المناخية، ناهيك عما يواجهه من تحديات إنمائية هائلة، بالإضافة إلى موجات السيول والجفاف التي يتكرر حدوثها.

تحتل اليمن "المرتبة الـ 30 بين الدول الأكثر ضعفًا، والمرتبة الـ 17 بين الدول الأقل قدرة على مواجهة آثار تغير المناخ"، كما أنها تأتي في المرتبة 171 من أصل 182 دولة على مؤشر نوتردام العالمي للتكيف، الذي يقيّم قابلية التأثر بتغير المناخ والاستعداد للتكيف معه.

 

 

ويؤكد أستاذ الجغرافيا المناخية المساعد بجامعة عدن، فيصل باقتادة، على أن اليمن ستواجه تداعيات سلبية، إن لم يتم الاستجابة للتغيرات المناخية، وإن المستقبل قد يشهد تفاقمًا للمشاكل البيئية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، ومواجهة هذه التحديات، يتطلب تنفيذ تدابير ملموسة لحماية الموارد المائية، وتعزيز الزراعة المستدامة، وتعزيز الاستدامة البيئية بشكل عام.

انفوجرافيك: حسين الأنعمي 

أنتج هذا التحقيق بدعم وإشراف مؤسسة الصحافة الإنسانية (hjf) ضمن حملة  #اليمن_خطر_المناخ

  • بسام القاضي صحفي علمي مهتم بتغطية قضايا المناخ البيئة والصحة