"زبيدة الخمسينية" الأولى في البكالوريوس والماجستير وتطمح في "الدكتوراه"

2020-11-18

"بعدما شاب راح الكتاب" "ايش باقي من العمر" "امسكي سجاده واقراي قران بدل الدراسة" "وايش باتستفادي" "سكهي لك من التعب" "ايش الفائدة راتبك هو نفسه ما بيتغير" "ياختي ايش كلفك على التعب" "عسى بحسن الخاتمة" هذه العبارات الجارحة التي كانت تصلها من مثيلاتها النساء ونظرة المجتمع الذكورية لها لم تحد من عزيمة السيدة الخمسينية زبيدة السعدي من العودة إلى مقاعد الدارسة الجامعية تخصص "علم الاجتماع" "بكالوريوس – ماجستير" بعد 3 عقود ونيف من نيلها شهادة "اللغة الإنجليزية"- كلية التربية زنجبار بمحافظة ابين.

زبيدة السعدي هي ام لأربعة فتيان "شاب و 3 فتيات" وجدة لـ "3 احفاد" والرابع في الطريق كما تقول تعكف حالياً لكتابة رسالة الماجستير تخصص علم الاجتماع كلية الآداب - جامعة عدن بعد أن أنهت السنة التمهيدية في المركز الأول مع مرتبة الشرف، والبكالوريوس في العام 2018 من كلية التربية – عدن والأولى على مستوى دفعتها وتطمح لنيل الدكتوراه لتكون أول سيدة يمنية في الـ 55 من العمر تنهي البكالوريوس والماجستير والدكتوراه على التوالي دون توقف كما تقول .

في معرض حديثها لـ منصة "صوت إنسان" تقول "ام زياد "كما تحب مناداتها "دوافعي للعودة إلى مقاعد الدراسة الجامعية بعد 30 عاماً لم تكن من بنات أفكاري بل أن الظروف دفعتني فكانت ابنتي الصغيرة وضعفها "نتيجة المرض وسوء حال التعليم في مدينتنا "جعار - أبين" بفعل تواجد عناصر القاعدة وتهديد الفتيات وتغيير المناهج ووضع المتفجرات في المدارس" السبب فيما انا وبناتي عليه الآن من نجاحات.

تضيف "أردت أن أكون لابنتي العون وأن تكون مثل خواتها جامعية وفي مقاعد الدراسة فانتقلنا في ٢٠١١ من أبين إلى عدن" وهذا لم يأتي من فراغ فأنا محبة للعلم أحاول أن أجد إجابات عن تساؤلاتي الكثيرة حول كل شيء لهذا فاستكشاف الجديد جزء من شخصيتي وحبي للمعرفة لم ينقطع رغم مشاغلي الأسرية والوظيفة الكثيرة".

وحول تعامل الكلية معها أثناء تقديمها للدراسة تقول زبيدة السعدي "واجهت بالرفض بداية تقديمي لأن شهادتي الثانوية صدرت في العام ١٩٨٤ قبل ما يقارب ثلاثين سنة من الآن، ورغم رفضي إلا أنني لم إنكسر فـ تابعت الإجراءات من جديد حتى تمت الموافقة لقبولي في الكلية.

تواصل "كان التعامل بدايةً بشكل عادي بالنسبة للقيد والتسجيل وما أن بدأت الدراسة والتعامل المباشر في قاعة المحاضرات كان هناك نوع من عدم التأقلم بيني وبين زملائي وشعرت أن هناك هوة في المعاملة مع بعضهم البعض ومعاملتهم لي فحاولت أن أقرب المسافة وأشعرهم ونفسي بالاطمئنان فطلبت منهم أن ينادوني "خاله زبيدة".

تأخذ السعدي أنفاسها لتعود للحديث ضاحكة بالقول "طبعاً ابنتي كانت مثلهم تناديني "خالة زبيدة" طوال سنوات الدراسة الأربع وذلك لاشتراطها أن لا أحد يعلم باني أمها، وتجنبها احراج المجتمع لها وأنها ستترك الدراسة اذا حد علم بسرنا ، فكل الطلاب فرادى وفي سن واحد ، وهكذا درست وبدأت أتأقلم بحذر في محيطي الجامعي وحرصي على استكمال إبنتي لدراستها وفي الأخير تحول الأمر إلى علاقات احترام وزمالة مع الطلاب والطالبات وكنت مندوبة الدفعة حتى يتسنى لي التعامل مع المدرسين مباشرة، وحثهم على تقدير ظروف ابنتي وزميلتي والتي كانت لديها ظروف تمنعها من الالتزام بالحضور دائماً بالإضافة إلى إني تقدمت إلى انتخابات رئاسة المجلس الطلابي في العام 2017، ونجحت وكان عاماً مفعماً بالنشاط حد تعبيرها ذلك.

وحول علاقتها بمعلميها تقول زبيدة "لم يكونوا بمستوى واحد في معاملتهم لي فأغلبهم كان الأمر عادياً والبعض مشجع لي ولكن مع مرور الوقت كان الضغط يزداد علي بحكم سني كنت أطالب بأكثر من غيري من الطلاب من حيث الإجابات والبحوث واحد المعلمين قال لي تخصصك هو للعمل في المنظمات والتي تحتاج جهد شباب وقوة ملمحا الة كبر سني فكان سلبياً معي ولكن الأهم هو ذلك الشعور الداخلي يملي عليَ ذلك الضغط النفسي".

وزادت "لم يكن تعامل محيطي غريباً على الأغلب أثناء فترة دراستي البكالوريوس ولكن كان الأمر عدم تكيف داخلي أشعر به من أول يوم دراسي كون الفارق بين جيلين يطرح ثقله قلقاً ومحاولة للنجاح في صعيد دراستي وعلاقتي بمن حولي، اما دراسة الماجستير فالدراسة يسيره ولا توجد اي عراقيل .

تذهب "ام زياد" للحديث عن الصعوبات التي واجهتها "التحديات كثيرة، الصعوبة الأكثر كانت نفسية إذا لابدّ من التكيف والتأقلم مع جيل يختلف عن جيلي معاملتهم مع بعضهم في سن 19 - 23 يختلف عن سني الخمسين، إلى جانب صعوبة التوفيق بين عمل البيت والدراسة حيث كنت اطمح بالمركز الأول وكانت الضغوط كثيرة".

إلى ذلك تقول الدكتورة ياسمين باغريب أستاذ مشارك ونائب رئيس مركز المرأة للدراسات والتدريب جامعة عدن تعتبر قصة نجاح الأستاذة زبيدة قصة كفاح للمرأة العدنية المكافحة والناجحة فهي تمثل نموذج للمرأة الشجاعة والطموحة رغم ما تعرضت له من تنمر واحباط من مثيلاتها النساء ونظرة المجتمع لها القاصرة ورغم التحديات والصعوبات التي رافقت رحلتها التعليمية إلا انها بصمودها وقوتها تحدت كل عسير وحققت نجاحها بكل فخر بل وتميزت على اقرانها الطلاب ذكور واناث وحصدت ثمرة ذلك المراكز الأولى ولم تتوقف عند ذلك فواصلت الالتحاق ببرنامج الدراسات العليا الماجستير وطموحها نيل الدكتوارة وستنالها بإذن الله.

بفخر واعتزاز وابتسامة ملؤها كفاح وطموح لا حدود له تعاود زبيدة " قبل أيام أكملت التمهيدي ماجستير والآن احضر للرسالة إذ اخترت العنوان وبدأت أجمع المراجع للبدء بالقراءات، فدراسة البكالوريوس كما تفيد لم يكن هدفها بل سبيل للوصول إلى الدكتوراه والدراسات العليا واجراء البحوث فالبحث العلمي كما تقول هو طريقة لفهم واقعنا وتحليله وسبيل لتلمس الحلول لقضايا المجتمع وما أكثرها" .

وأردفت "حلمي ان اكون (معيدة) أريد أن اساهم في التغيير الى الافضل فعلم الاجتماع علم عام يحوي علوم كثيرة منها علم الاجتماع الاقتصادي والسياسي والأسرى والتربوي والقانوني والجريمة والمرأة وغيره من الفروع، وهو علم يدرس الإنسان في محيطه الإجتماعي والعكس ، مشيرةً ان علم الاجتماع علم يرضي غرور المتلهف لمعرفة مشاكله وإيجاد الحلول لها .

تتحدث زبيدة " أفراد أسرتي جميعهم شجعوني على الدراسة ولم أجد منهم إلا الحث على الاستمرار وتجاوز العقبات والصبر لم تكن سنوات الدراسة يسيره خاصة إني ملتزمة بالحضور ولم أغيب سوى يومين فقط خلال اربع سنوات رغم أن أولادي كانوا مشغولين أيضاً بالدراسة والعمل مثلي، وكانوا سند وظهر لي .

وعن من يقف خلف نجاحاتها تلك تجيب السعدي "ينبغي على كل إنسان أن يقف بنفسه خلف نجاحاته لأن أي نجاح يجب أن يكون من داخلك انت وليس من الخارج، صحيح أن أولادي كانوا قوة دافعة لي ولكن الإنسان نفسه إذا لم تكن لديه إصرار وقوة لن تنفع اي تأثيرات أخرى .

وأضافت انا "خالة زبيدة" تقولها وهي ضاحكة "كانت القوة الداخلية المؤثرة في نفسي هي جملة من الظروف الخاصة التي لم تحل في أوانها نتيجة للظروف الاجتماعية كالعادات والتقاليد والسياسية التي كانت نتاج (الوحدة أو الموت) والمؤثرة بشكل مباشر على حياة الناس مما انعكست علي شخصياً بإحباط واكتئاب نفسي وتقييد اجتماعي، لهذا حين وجدت الظروف مناسبة لي بعد 3 عقود ونيف أصرت على حريتي ولم أجد سبيلاً سوى الدراسة والعلم التي أعادت الي روحي".

تتوقف زبيدة برهة من الوقت عن الحديث وعيونها تلتحف سماء عدن الزرقاء كإزرقاق بحرها لتردد عبارتها الشهيرة "معنى أن تكون أنت كما أنت وكما تريد (إنساناً)".

توجه "ام زياد" السعدي نصيحتها للنساء بأن لا يفقدن ثقتهن بالله وأنفسهن مهما مر عليهن من أخطاء ومشاكل" فكما تقول" تلك الثقة في دواخلنا ستوجهنا نحو الطريق الصواب، وأي طريق نحتاج فيه إلى أداة واداتنا هي الإيمان بقلوبنا وبقيمة العلم لهذا يجب أن نهتم بالتعليم لنا ولبناتنا حتى نكون قادرات على الإسهام في بناء أنفسنا ومجتمعنا هذا إلى جانب العمل على صقل مواهبنا وقدراتنا بصورة تظهرنا كبشر قادرين على التفاعل مع محيطنا بفهم وانسانية" .

زبيدة عبدربه ديان السعدي من مواليد أبين 1964، " خريجة قسم إنجليزي من كلية التربية زنجبار 1987 توظفت في السلك التربوي 1996 خريجة علم اجتماع من جامعة عدن ٢٠١٨، رئيسة المجلس الطلابي كلية التربية - عدن2017، رئيسة الإدارة الجماهيرية في المجلس الانتقالي - خور مكسر، حاصلة على دورات تدريبية في الحاسوب، القيادة النسوية 2019، هواياتها الشعر، القراءة، الخياطة، الرياضة، العمل الإجتماعي تحضر لرسالة الماجستير وتطمح لنيل الدكتوراه .

ليست زبيدة الخمسينية وحدها قصة نجاح فإبنتها الدكتورة ( زهى السعدي ) هي أول طبيبة تتطوع في محجر الامل لمواجهة كورونا فكذلك إبنها (زياد ) هو الآخر يعود لمقاعد الدارسة الجامعية بعد اغتراب 9 سنوات في المملكة العربية السعودية، فأسرة السعدي مثال للنجاح والكفاح في بلد مثل اليمن لازال يشهد للسنة السادسة حرب عبثية مخلفة أسوأ أزمة إنسانية في العالم.