كشفت أن مدينة عدن تواجه مخاطر عالية مناخيًا، دراسة دولية: المُناخ يهدد مياه دلتا تبن بالنضوب
2024-08-11
الصحافة الإنسانية (hjf) – بسام القاضي*
كشفت دراسة دولية أن المياه الجوفية في أحواض دلتا تبن التي تغذي بشكل رئيسي مدينة عدن وأجزاء من محافظة لحج، جنوبي اليمن، مهددة بالنضوب، جراء تغير المُناخ وتزايد أعداد الحفارات والآبار غير القانونية.
ويشير تقييم 2023 إلى وجود 3600 بئر، 1200 منها جفت، فيما يصل متوسط الانخفاض السنوي لمنسوب المياه الجوفية إلى متر واحد بفعل عدم التوازن بين معدل التصريف والتغذية.
وإذا استمر هذا الخلل كما هو عام 2022، فإن التوقعات بحسب الدراسة تشير إلى أن معظم الآبار سوف تجف أو تصبح قليلة الملوحة بحلول 2060.
ووفقًا للدراسة الصادرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 عن الأمم المتحدة باليمن، فقد عانت المنطقة السفلى من دلتا تبن خلال العام 2022، من عجز مائي قدره 84 مليون متر مكعب.
تحديات عديدة
وأشارت الدراسة إلى أن المياه السطحية والمياه الجوفية في دلتا تبن، تواجه حاليًا عديد التحديات، بما في ذلك تغير المُناخ، الإفراط في الاستخدام، والافتقار إلى استراتيجية مستدامة لإدارة المياه.
وأكدت الدراسة أن مدينة عدن تواجه مخاطر عالية متعلقة بالمناخ، وبحاجة إلى موارد مائية إضافية مثل إنشاء محطة تحلية مياه البحر بطاقة 50 مليون متر مكعب تعمل بالطاقة الشمسية في أقرب وقت ممكن، ثم محطات أخرى بسعة 10 ملايين متر مكعب كل 5-10 سنوات.
وبحسب الدراسة، تعد المنطقة السفلى (كامل عدن وأجزاء من محافظة لحج) الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ؛ لأنها تتأثر بأربعة مخاطر مناخية رئيسية، هي الفيضانات والجفاف وارتفاع مستوى سطح البحر وتسرب المياه المالحة، ما سيؤثر على أنظمة إمدادات المياه والبنية التحتية الساحلية.
كما تكشف الدراسة عن الحاجة إلى حلول مستدامة جديدة لتلبية الطلب المتزايد على المياه في المنطقة السفلى والحد من تسرب المياه المالحة، إلى جانب كشفها أوجه القصور الإدارية والحاجة إلى استراتيجية مستدامة لإدارة وتوزيع المياه.
عجز مائي كبير
وتشمل تقديرات إمدادات المياه لعام 2022 وفقًا للدراسة، المياه المتجددة، المياه المتدفقة من المرتفعات والموارد المائية غير التقليدية، والتي تقدر بـ 10,175,73 مليون متر مكعب على التتالي.
في حين تشمل استخدامات المياه على 244 مليون متر مكعب للاستخدامات الزراعية و36 مليون متر مكعب للاستخدامات المنزلية، ما يعني أن المياه المستهلكة في الزراعة تمثل 82% من إجمالي استخدامات المياه. إذ أدى عدم التوازن بين المياه المتاحة والمياه المستهلكة إلى عجز إجمالي في المياه يزيد عن 53 مليون متر مكعب.
ووفقًا للدراسة فقد تم تقييم إجمالي استخدامات المياه السنوية مع الأخذ في الاعتبار سيناريوهين، الأول المرجعي (لا يوجد تحسن) والسيناريو المحسن (تحسين أنظمة الري وانخفاض النمو السكاني).
ووفقًا لنتائج الدراسة، هناك حاجة ملحة لمعالجة تقنيات إدارة المياه والأطر ذات الصلة على أساس مبادئ الإدارة المتكاملة للمياه (IWRM) للتخفيف من المخاطر المناخية، وتنظيم الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، وضمان الاستدامة البيئية.
وهدفت الدراسة إلى تقييم إمدادات المياه الحالية والمستقبلية، والطلب على المياه، والمخاطر والآثار المناخية في ظل سيناريوهات اجتماعية واقتصادية ومناخية مختلفة.
غياب التخطيط والإدارة
كشفت الدراسة أن المناطق الثلاث تواجه عديد التحديات، منها نقص خطط الإدارة المتعلقة بالمياه والمناخ، الخطط الزراعية غير النشطة، الافتقار إلى آلية مراقبة مناسبة، وجمعيات استخدام المياه غير النشطة (WUAs) في القطاع أو الممارسات الزراعية. كل هذه التحديات دفعت المزارعين إلى حفر مزيد الآبار غير القانونية، ما أدى إلى استنفاد موارد المياه الجوفية وانخفاض جودة المياه (الملوحة).
تستخدم الدراسة البيانات المحلية وبيانات الاستشعار عن بعد ونماذج المناخ العالمية (GCMs) ونظام المعلومات الجغرافية الكم (QGIS)؛ لتقييم الموارد المائية والمخاطر المناخية في ظل سيناريوهات مختلفة.
وأظهرت الدراسة أن تطوير العديد من السدود وغيرها من تقنيات تجميع مياه الأمطار والإفراط في استخدام المياه السطحية في الجزء العلوي من دلتا تبن (أعلى المنبع)، أدى إلى انخفاض توافر المياه السطحية في دلتا تبن (أسفل المصب)، ونتيجة لذلك تصل المياه إلى المنطقة السفلى بشكل محدود دون أن تصل أي مياه إلى المحيط، ما أجبر السكان والمزارعين على الاعتماد بشكل أساسي على المياه الجوفية باستخدام الطاقة المتجددة مما أدى إلى خلال 2022، لعجز مائي قدره 84 مليون متر مكعب.
التوقعات المستقبلية:
تم استخدام نموذج المناخ MRI-ESM2-0 وQGIS لتحليل توفر المياه في المستقبل ضمن مسارين اجتماعيين واقتصاديين مشتركين (SSP3: RCP 7) و(SSP5: RCP 8.5).
تم تقييم سيناريوهين لإمدادات المياه، الأول لا يتضمن أي تطور جديد بينما يتضمن الثاني إعادة استخدام مياه الصرف الصحي وتركيب محطة لتحلية المياه المالحة كل 20 عامًا في عدن بسعة 10 ملايين متر مكعب.
وتكشف النتائج عن نطاق واسع في تقديرات توافر المياه يصل إلى 2100 في المناطق الثلاث. وفي حال لم يتم إجراء تحسينات، فستكون إمدادات المياه حوالي 235 و254 تحت SSP5 وSSP3، على التوالي. ومع ذلك، فإن السيناريو المحسن سيزيد إمدادات المياه بمقدار 424 و358 مليون متر مكعب في إطار السيناريو SSP5 وSSP3، على التوالي.
وتكشف نتائج الدراسة بأن استخدامات المياه ستصل إلى 696 مليون متر مكعب و369 مليون متر مكعب عام 2100 في ظل السيناريوهات المرجعية والطلب المحسن. وبالتالي، تظهر تقديرات توازن المياه أن العجز المائي في ظل السيناريوهات المرجعية سيتجاوز 400 مليون متر مكعب في عام 2100 في ظل كلا المسارين المناخيين (SSP3 وSSP5)، وستشهد المنطقة السفلى أكبر ندرة في المياه بسبب الطلب المتزايد الناجم عن طرق الري التقليدية والنمو السكاني.
ولن تستعيد المنطقة السفلى بحسب الدراسة عجزها المائي، لأن جميع السيناريوهات تتنبأ بنقص حاد في مياه المنطقة، والذي قد يتراوح بين 60 إلى 80 مليون متر مكعب في ظل السيناريوهات المحسنة. ولذلك، تحتاج منطقة LR إلى موارد مائية إضافية مثل محطة تحلية مياه البحر بطاقة 50 مليون متر مكعب تعمل بالطاقة الشمسية في أقرب وقت ممكن، ثم محطات أخرى بسعة 10 ملايين متر مكعب كل 5-10 سنوات.
ولذلك، هناك حاجة إلى خطط فعالة لتخصيص المياه وموارد مائية إضافية لتلبية الطلب المتزايد.
يمكن أن تتأثر المناطق الثلاث وفقًا للدراسة بالجفاف والفيضانات في المستقبل. على سبيل المثال، في ظل SSP3 وSSP5، قد تتسبب معدلات هطول الأمطار المرتفعة للغاية في حدوث فيضانات بين عامي 2060 و2063، وبين 2074 و2076، على التوالي، في حين قد يحدث الجفاف بين عامي 2029 و2034، وبين 2069 و2072.
إجراءات للتكيف مع المناخ
وتطرقت الدراسة إلى عدة إجراءات للتكيف مع التغيرات المناخية، تتمثل في إعادة تأهيل قنوات الري وتحسين نظام الري الحالي، إلى جانب إعادة تأهيل بعض محطات معالجة مياه الصرف الصحي لإعادة استخدامها في الزراعة، بالإضافة لتغذية المياه الجوفية، وإيجاد محطة تحلية المياه تعمل بالطاقة الشمسية لتلبية الطلب المتزايد على المياه في عدن.
وتشمل إجراءات التكيف أيضًا خطة لإدارة الكوارث مع نظام إنذار مبكر في الجزء العلوي من دلتا تبن (دوكيم)، التخفيف من أخطار الفيضانات ولتنبيه السكان من مخاطر الفيضانات إذا تجاوز تدفق المياه 150 م3/ثانية، بالإضافة إلى خطة مناسبة لإدارة الكوارث للحد من مخاطر الفيضانات.
وتتضمن الدراسة نتائج وبيانات مهمة يمكن استخدامها من قبل مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة، بما في ذلك هيئة حماية البيئة في اليمن، ووحدات نظم المعلومات الجغرافية، وزارة المياه والبيئة، وزارة الزراعة والري والثروة السمكية، وزارة التربية والتعليم؛ المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي، الهيئة العامة للموارد المائية، الشركاء الدوليين مراكز الأبحاث، الجامعات، جمعيات مستخدمي المياه، المزارعين، المجتمعات المحلية، بمحافظتي عدن ولحج.
ولمواجهة تغير المناخ وتحديات ندرة المياه في دلتا تبن، أوصت الدراسة بحاجة المنطقة السفلى إلى موارد مائية إضافية يمكن توفيرها عن طريق محطة تحلية تعمل بالطاقة الشمسية.
كما أوصت الدراسة في إعادة تأهيل محطات معالجة مياه الصرف الصحي والمراقبة ووضع خطة مناسبة لإعادة استخدام المياه المعالجة للري أو لتغذية المياه الجوفية، إلى جانب صيانة قنوات الري وتطبيق طرق الري الحديثة.
الدراسة أوصت أيضًا بضرورة وضع خطة لإدارة الكوارث مصحوبة بنظام إنذار مبكر لمواجهة الفيضانات والجفاف، بالإضافة إلى مراقبة تصريف المياه الجوفية للتحكم في استنزاف المياه الجوفية وتسرب المياه المالحة في المنطقة السفلى.
"هناك حاجة إلى برامج مستمرة لبناء القدرات تتناول النمذجة الهيدرولوجية، وكفاءة استخدام المياه، وتخصيص المياه، والتكيف مع تغير المناخ"، توصي الدراسة ذاتها، مؤكدًة بأنه يمكن تعزيز التدابير المذكورة من خلال تطوير خطة/استراتيجية الإدارة المتكاملة للموارد المائية لدلتا تبن.
إدارة مائية جديدة
وشددت الدراسة على ضرورة وضع خطة مائية جديدة، تراعي في الاعتبار حوكمة المياه وتخصيصها ودورها ومسؤولياتها، الرصد (التدريب والمعدات) لحماية الموارد الطبيعية، وخاصة المياه الجوفية، المخاطر المرتبطة بالمناخ (الفيضانات، الجفاف، ارتفاع مستوى سطح البحر).
كما شددت على أهمية إدارة المعلومات، "جمع البيانات ومشاركتها، تخطيط وإدارة الأحواض والمنظمات المجتمعية لتسهيل الإدارة اللا مركزية للمياه، المخاطر المناخية والتكيف معها وتدابير التخفيف منها، حماية المياه الجوفية من خلال المراقبة وإنفاذ القانون، توفير المياه في الزراعة، إلى جانب تنفيذ أنظمة الري الحديثة ودراسة إمكانية تغيير أنماط المحاصيل".
وبخصوص الإدارة اللامركزية، لفتت الدراسة إلى ضرورة إنشاء وتعزيز جمعيات مستخدمي المياه لتكون بمثابة الهيئات المسؤولة عن الإدارة المستدامة للمياه بين مستخدمي الأحواض، مع الأخذ في الاعتبار نقص المياه، وكفاءة استخدام المياه، وقضايا تسرب مياه البحر، رفع مستوى الوعي العام وحشد التعاون ومشاركة أصحاب المصلحة (بما في ذلك صناع القرار ومعاهد البحوث) لإدارة العرض والطلب على المياه بطريقة متكاملة ومستدامة.
خلفية عن الدراسة
الدراسة التي نفذت للفترة من يونيو 2022 وحتى أواخر 2023 لصالح برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية وموائل الأمم المتحدة، من إعداد الدكتور خلدون مراد، الباحث الرئيسي والخبير الدولي في الموارد المائية والمساهمون: جوريس أولي، وليد يعقوب، جولي جرينوالت، محمد زين، عبد الواحد عرمان، عبد الرقيب العكيشي، وعلاء عليه.
وراجع الدراسة البروفيسور روني بيرندتسون أستاذ في قسم هندسة الموارد المائية ونائب مدير مركز دراسات الشرق الأوسط المتقدمة، جامعة لوند، السويد، بمعية فريق من الجهات الحكومية في عدن شمل، الهيئة العامة لحماية البيئة، وزارة الزراعة والري والثروة السمكية وزارة المياه والبيئة والهيئة الوطنية للموارد المائية.
يذكر أن الدراسة، تعد جزءًا من مشروع جاهزية صندوق المناخ الأخضر (GCF) "تعزيز قدرات السلطات دون الوطنية والجهات الفاعلة الرئيسية في قطاع المياه للتكيف مع تغير المناخ في دلتا تبن"، والذي ينفذ من قبل منظمة الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، برنامج (موئل الأمم المتحدة)، بالتنسيق مع هيئة حماية البيئة اليمنية، وبعض أصحاب المصلحة الوطنيين والدوليين.
تغيرات المُناخ تهدد اليمن
وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة في اليمن - الفاو، "إذا استمر استخراج المياه الجوفية بشكل عشوائي بالمعدل الحالي، فإن أحواض المياه سوف تُستنفذ بحلول 2030"، إذ يتم استنزاف المياه الجوفية بمعدل ضعفي نسبة تجديدها.
تغير المناخ والنمو السكاني السريع، أديا، وفقًا لـ"الفاو"، إلى فرض ضغوط إضافية على موارد المياه المحدودة، إذ لا يحصل حوالي 15 مليون يمني على مياه الشرب الآمنة ومرافق الصرف الصحي الموثوقة، مؤكدة أن ما بين 70 إلى 80% من النزاعات في اليمن تدور حول المياه.
البلد الذي تطحنه الحرب للعام العاشر على التوالي، ويعيش أزمة إنسانية هي الأسوأ عالميًا بحسب الأمم المتحدة، يعد أيضًا أفقر دولة في العالم من حيث الموارد المائية، حيث يبلغ نصيب الفرد السنوي من المياه 83 مترًا مكعبًا سنويًا مقارنة بالحد المطلق البالغ 500 متر مكعب.
وتشكل تغيرات المُناخ تهديدًا كبيرًا للوضع الإنساني والأمنين المائي والغذائي في اليمن، الذي يعد من أكثر البلدان تضررًا من هذه العواصف المناخية مؤخرًا.
*صحفي علمي متخصص في تغطية قضايا المناخ، البيئة والصحة
أنتج هذا التقرير بدعم وإشراف مؤسسة الصحافة الإنسانية (hjf) ضمن حملة #اليمن_خطر_المناخ
إشراف عام: نشوان العثماني