سيناء التي أبقتها الحرب بأقل من نصف حياة: متى سأعيش حياتي كباقي الفتيات؟

2020-11-23

لحج: نصر الاشول 

تندلع النزاعات فتُفتح جهنم. ولا تخلف الحروب إلا قصص الآلام والأوجاع ومعاناة الشعوب. وهذه قصة أخرى ببكاء القلب تُقرأ وأسى لا يُوصف.

هذه سيناء, ابنة الـ16 خريفًا, خمسة أعوام من معاناة تقهر الجبال لا تزال تتجرعها. لا تحتاج القصة مزيد وصف. هي كما هي كل الوصف وأكثر.

سيناء عبدالله دحان, ولدت في مديرية تبن بمحافظة لحج, تلقت تعليمها الأساسي إلى الصف الخامس ولم تكمل. أختان وأخ إلى جانب أمها السيدة “عديلة علي عبدالله” التي أضحت وحيدة في مواجهة أعباء الحياة لأجل أبنائها الأربعة بعد انفصالها عن زوجها الذي قُتل بقصف استهدف سجنًا كان يقبع بداخله.

ظلت الأم تداري احتياجات الأبناء بما تتلقاه من هبات فاعلي الخير على مدى سنوات الحرب التي تدخل عاما السادس على التوالي.

المنعطف التراجيدي في حياة سيناء

في الخامس من أغسطس/آب 2015, قررت السيدة عديلة النزوح صوب ردفان مسقط رأسها, وعند وصولها رفقة أطفالها على متن حافلة نقل إلى إحدى النقاط التي نصبها مقاتلو الجماعة الحوثية حينها في لحج, تم إنزالهم في النقطة لتتلقى الحافلة الأوامر بالعودة من حيث أتت.

وعلى حين غرة هز المكان انفجار عنيف اتضح أنه لقصف صاروخي خلف عديد الضحايا. شفي أفراد الأسرة من إصابات متفاوتة, إلا أن سيناء لا تزال طريحة الفراش حتى اليوم, حيث اخترقت شظايا جزءًا من أمعائها وألحقت الضرر كذلك بمعدتها, فيما نالت شظية رأسها من الخلف مؤثرة على عينيها وقد تسببت أيضًا بانحراف وضعف نظرها، إلى جانب ارتشاح (تسرب دموي) في الشبكية, وكسر في عظمة الأنف.

تتذكر سيناء الحادثة وكان عمرها 11 عامًا: “نزلت من الحافلة يعتريني الرعب. رأيت أمي تبعدني بأمتار، بيدها أخي الأصغر، كنت وأخواتي نحمل ما استطعنا من ملابس وأغراض. فجأة لم أرَ غير الغبار، مع أنني لم أسمع صوت الانفجار الذي قطع أمعائي”.

تقول والدتها “بالكاد تعرفت إلى أطفالي. كانوا مضرجين بالدماء”, تضيف ابنتها, 16 عامًا الآن: “اعتقدت إنها نهايتنا”.

أجرت سيناء ثلاث عمليات جراحية في اليمن. وقد كان جزء من تكاليف هذه العمليات مهر أختها الأكبر التي تزوجت مبكرًا في عمر الـ16 عامًا لهذا السبب, متخلية عن حلمها في إتمام الدراسة الثانوية والالتحاق بالجامعة.

الكثير من التضحيات لم تنقذ سيناء من هذه الفاجعة، ليتواصل ألمها، وتجد أمها أمام خيار بيع بيتها الذي ورثته عن أبيها، وفيما قدمت كل المال لسيناء أجبرتها الظروف كذلك أن أرسلت ابنيها الأخيرين إلى خالتهما في بلدة تبن، كما جاء في معرض قولها.

رحلة علاجية فاشلة

تمكنت الطفلة المصابة من السفر إلى مصر على نفقة الهلال الأحمر الإماراتي، غير أن تكاليف التذاكر كانت على حساب أسرتها التي تلقت حينها مبلغ اثنين مليون ريال يمني من محافظ محافظة لحج (يوازي الدولار الواحد حاليًا أكثر من 830 ريالًا). تحتاج سيناء لثلاثة مقاعد في الطائرة لأنها لا تستطيع الجلوس, وهو ما يكلفها 950 دولارًا أمريكيًا لحجز تذاكرها بمفردها مضافًا إليها تذكرتي أمها وزوج أختها, وهو جندي, وقيمة الأوكسجين.

بعد ثلاثة أشهر عادت الطفلة التي شاخت لأن المال نفد, ولم تستطع أمها التواصل مع أحد لاستمرار تلقيها العلاج في العاصمة المصرية.

رحلة ثانية أسوأ من سابقتها

بعد أشهر إضافية أخرى منذ العودة إلى اليمن، زار مندوبون من الهلال الأحمر الإماراتي مستشفى ابن خلدون بمدينة الحوطة عاصمة لحج, قاصدين سيناء ومعرفة أخبارها, ووقعوا على تسفيرها ثانية، وكالمرة السابقة كانت التذاكر على حساب أسرتها أيضًا لتذهب الأم لشرائها مما تبقى لديها من قيمة المنزل الذي ابتاعته.

وبينما كانوا في مصر للمرة الثانية, تزامن هذا مع خروج القوات الإماراتية من عدن, ما أدى إلى فشل عمليتين جديدتين أجريتا لسيناء بعد عمليتيها السابقتين في رحلتها الأولى إلى القاهرة, وهذه المرة على إثر إيقاف النفقات من قبل مندوبة الهلال الأحمر الإماراتي.

اللا أمل مضافًا لكل هذا الألم

لا تزال سيناء على فراش ما تبقى من الحياة في مستشفى ابن خلدون. لم تعد أوردتها تحتمل وخز الحقن, الأمر الذي اضطر الأطباء اللجوء إلى زرع القُنيّة الطبية أو الكانيولا في عنقها. هكذا تواصل الحياة بالكاد بما يصلها عبر هذه الكانيولا, فلا تتذوق ما يصل إلى جوفها.

تقف والدتها إلى جوارها دائمًا, لكنها أضحت تنام في حديقة المستشفى هربًا من تحمل رسوم إضافية مقابل المبيت ليلة واحدة على سرير بجوار ابنتها.

أريد أن أعيش حياتي كباقي الفتيات

هذه سيناء, بالدمع والأسى وملء القلب أوجاع كل كلمة:“ذهبت إلى مصر وأنا لا أستطيع الأكل ولا الشرب ولا التبرز, وعدت كما ذهبت, بل أسوأ. أربع عمليات فشلت في القاهرة، وعملية في اليمن. استأصلوا جزءًا من أمعائي ومعدتي.. خمس سنوات لا أستطيع تذوق شيء.

ذهبت وبطني مفتوحة وعدت كما ذهبت؛ باعت أمي المنزل وتزوجت أختي وهي طفلة من أجل علاجي غير أني لم أرَ الصحة يومًا.

أريد أن أعيش حياتي كباقي الفتيات. كان حلمي أن أدرس والتحق بالجامعة, وأتوظف لأعيل أمي وإخوتي, لكن الأقدار تأتي بما لا نشتهيه.

تحتاج سيناء حاليًا إلى تدخل جراحي عاجل لزراعة أمعاء وفقًا لإرشاد طبيب مصري أشرف على حالتها أثناء زيارتها القاهرة, والذي أشار لها بالتوجه إلى الهند, حسبما قالت.

*نشر بالتزامن مع "صوت إنسان"