عبير حضرموت الإنسانية .. ملتقى الفن زمن الحرب

2020-12-30

 بسام القاضي

"الفن التشكيلي" لدى عبير الحضرمي لا بد أن يجسّد "تلك القضايا الإنسانية والمجتمعية التي يعيشها الإنسان حيثما كان وارتحل".

البدايات "منذ الصغر من خلال الرسم وجمع الأشياء لتكوين أعمال فنية كـ المزهريات والورود وإطارات الصور". عشقت الفتاة إبداعها لتحدد به خيارها الجامعي "قسم فنون جميلة", وتنال شهادة البكالوريوس من جامعة حضرموت قبل سنوات.

لم تكن عبير محمد المولودة في عدن, مستهل التسعينيات, بعيدة عن أجواء النزاع في البلد إذ ترى أن للفن دورًا "في نقل معاناة اليمنيين جراء الحرب والأوبئة والأزمات الصحية والإنسانية" التي تشهدها البلاد، مشيرة إلى "فنانين يمنيين قاموا بعمل مزادات لبيع بعض أعمالهم الفنية وتخصيص ريعها لصالح الأسر التي تعاني النزوح والعوز والتشرد".

تضيف لـ"صوت إنسان": "عادة ما يُنظر للفن على أنه ترف وخاص بالأغنياء. الفن ليس بهذه السطحية. متجذر في العمق الإنساني ومشغول باستخلاص مادته من القضايا المجتمعية. لديه رسالته, مثله مثل الصحفي والروائي والمسرحي والمخرج والمصور".

تصف الفتاة الثلاثينية الفن التشكيلي "أسلوب حياة. طريقة خاصة. الحاجة التي من خلالها يجب أن يعبر الفنان عما في ذاته وما يريد إيصاله إنسانيًا ومجتمعيًا".

مجتمع محافظ لكن سيقبل

عبير الحضرمي واحدة من أبرز الشباب التشكيليين حاليًا في محافظة حضرموت، آخر أعمالها مجموعة لوحات فنية عن المحافظة الساحلية مترامية الأطراف، شرقي البلاد, إلى جانب مشروعها الحلم المتمثل في افتتاح مرسم خاص يهتم بالفنون وتنمية مهارات الشباب الموهوبين والمحترفين في مدينة المكلا, حيث تقيم, عبر تنفيذ عديد الأنشطة التكوينية لـ"مرسم ملتقى الفن" الذي أسسته وهي من تديره.

"المجتمع في حضرموت إلى حد ما يتقبل الأعمال الفنية"، وإن كان "ينقصه الوعي حول تقبل بعض الأعمال المنبثقة عن المدرسة الواقعية"، مستدركة "سيتقبلها مع الوقت؛ كونها تناقش قضايا مهمة، وإن كانت في مجتمع محافظ".

وفيما تشير إلى تعاون السلطة المحلية ومكتب الثقافة في حضرموت الساحل إلى حد ما, إلا أنها تؤكد على ضرورة دعم الإبداع الفني "لدينا الكثير من الشباب والشابات الموهوبين بالفطرة؛ لو تم الاهتمام بهم ورعايتهم سيبدعون أكثر. نحتاج مساحات أكبر للمعارض الفنية، للعمل ضمن مجموعة فرق، لإنتاج أعمال فنية مشتركة بشكل أفضل من الفردية".

العقبات دائمًا

بحسب عبير (29 عامًا) "أبرز الصعوبات هي عدم توفر المواد والأدوات التي ازدادت تكاليفها المالية فيما جودتها رديئة، وعدم مناسبتها لبعض الأعمال الفنية المراد إنتاجها".

تتركز أغلب لوحاتها حول الإنسان الحضرمي وكل ما يتعلق بحضرموت، الهوية والتاريخ والتراث, ولها في ذلك مشاركات محلية عديدة سواء في الملتقيات الشبابية أو المعارض الجامعية، أبرزها المعرض الخاص بها الذي ضم 50 لوحة فنية واحتضنته مدينة المكلا, عاصمة المحافظة, عام 2018.

وفيما لم تتمكن من السفر إلى إيطاليا بعد اختيارها للمشاركة في ملتقى فني هناك ضمن 25 فنانًا يمنيًا عام 2015, بسبب عدم حصولها على التأشيرة إلى جانب صعوبات مالية، كانت شاركت في معرض الفنانين العرب المنعقد في القاهرة عام 2019، لتشارك أيضًا في المعرض التشكيلي المرافق لفعالية الأوركسترا الحضرمية في العاصمة الماليزية كوالالمبور.

أنيقة زمن الحرب

مدير مكتب الثقافة بساحل حضرموت ماهر صالح اعتبر أن ما حققته الفنانة التشكيلية عبير محمد الحضرمي قصة نجاح وطموح كبيرين "استطاعت أن ترسم بريشتها الأنيقة خارطة طريق لطموحاتها الممكن تحقيقها في ظل حالة الاحتراب وعدم الاستقرار الذي تعيشه البلد برمتها, وأن تتجاوز مآلات الحرب وأصوات القنابل والرصاص, واستطاعت – وهذا يحسب لها – أن تفتتح مؤخرًا مرسمها المسمى ‘ملتقى الفن‘ وهي قصة حضور مميز في جميع المناشط والفعاليات التي تقام في المحافظة".

يشرح صالح لـ"صوت إنسان" أبرز الصعوبات التي تواجه الفنانين في حضرموت "هي ذاتها الصعوبات التي يواجهها ويعاني منها جميع الفنانين في ربوع الوطن، ففيما يوجد الماء - أقصد الفنانين بمختلف إبداعاتهم الفنية - لا يوجد في المقابل الإناء أو الوعاء الذي يمكن ان يحتضنهم ويرعى فنونهم وإبداعاتهم المختلفة ويقوم بصقل وتنمية مهاراتهم الفنية", مذكرًا بـ"معهد محمد جمعة خان للفنون الجميلة" [خان: موسيقي يمني شهير ذات مدرسة متميزة من أب هندي وأم حضرمية, 1903 - 1963]، حيث "لا تزال فكرة إعادة هذا المعهد وإحيائه من جديد تراوح مكانها, وهي بحاجة إلى المزيد من الجهد والدراسة".

أضاف: "لا يزال يراود جميع الفنانين حلم إعادة تأهيل ‘مركز بلفقيه بالمكلا‘ [بلفقيه, أبو بكر سالم: فنان فائق الشهرة, 1939 - 2017] والذي سيكون بالتأكيد حاضنة وقبلة لجميع الفنانين في حضرموت"، معتقدًا أن تشكيل تنسيقية أو اتحاد يجمع الفنانين باختلاف إبداعاتهم في إطار نقابي موحد "أصبح الآن وليس غدًا مُلحًا وأولوية"، كاشفًا لجميع المبدعين في حضرموت أن محافظ المحافظة فرج البُحسني, وهو جنرال يقود أيضًا المنطقة العسكرية الثانية في الجيش اليمني "سيقيم في يناير/كانون الثاني 2021 احتفالية كبيرة لتكريمهم", مؤكدًا "التكريم سيصبح تقليدًا سنويًا".

وجه المجتمع المتحضر

الفتاة الشغوفة بـ فان جوخ [انطباعي هولندي غني عن التعريف, 1853 – 1890] حثّت المبدعين الشباب "التحلي بالصبر والصمود في وجه المعوقات التي تواجههم والتكيف مع الوضع والبيئة التي تحويهم"، موضحة "المادة [المال] ليست كل شيء، هناك أناس لديهم مادة لكن ليس لديهم أعمال مبدعة، وهناك أناس تنقصهم المادة وأعمالهم أكثر إبداعًا، كله يعتمد على الشخص ذاته".

"الفنون والتراث والآداب والموسيقى والثقافة" من وجهة نظر عبير "هي وجه المجتمع المتحضر الراقي والناضج, وعلى الشباب والشابات في حضرموت وغيرها الصبر والكفاح والعمل دائمًا على تطوير مهاراتهم؛ سيصلون إلى ما يطمحون اليه ويحلمون به يومًا ما".

لـ الجميع

"#الفن_للجميع" هاشتاغ تسويقي أطلق قبل أيام من افتتاح مرسم ملتقى الفن الواقع في مبنى اتحاد أدباء وكتاب حضرموت بمدينة المكلا, وهو شعار يترجم أفكار وتوجهات المرسم المتاح للفنانين والجمهور دون استثناء.

"كل تركيزي منصب على الرسم حاليًا، والمشروع ليس مصدرًا للدخل. نقيم دورات مدفوعة بمبالغ بسيطة ورمزية لتوفير مواد التدريب وتسيير أنشطة وأعمال المرسم", وفقًا لـ عبير التي عاشت لبعض الوقت في العاصمة اليمنية صنعاء.

"جزء بسيط من حلمي ربما قد تحقق بافتتاح المرسم، وإن شاء الله يتحقق الحلم الكبير بأن يصبح للمرسم مركز متكامل يحوي مختلف الفنون", تضيف.

الكبسة والزربيان

تفضّل من الطعام "الصيادية والكبسة والزربيان"، وهي خليط أكلات شعبية تجمع عدن وحضرموت. وعلى الرغم من ولادتها في الأولى إلا أنها لا تحب الشاي العدني كما لا تحب القهوة أيضًا.

انتقلت عبير إلى مدينة صنعاء وفيها عاشت طفولتها، ودرست حتى إنهاء الثانوية العامة، وبعدها عادت للاستقرار في مدينة المكلا "حضرموت محافظتي, أحبها أكثر".

تلويح

تجيد فن الرسم والنحت والطرق على النحاس، غير أن الفن التشكيلي "عشق لا ينتهي", تقول. خلف كل نجاحاتها "أبي وأمي". تقبّل ريشتها "الفن رسالة إنسانية قبل أي شيء آخر".

*بالتزامن مع "صوت إنسان"