الموت يترصد فتيات عفَّة بجحاف الضالع

2021-04-05

الضالع/تقرير/ فؤاد جباري
لم تكن تعلم الطفلة عبير عبده ذات الـ 9 أعوام، أن الموت يترصدها من على منحدر تلة "جبل السنامة"، المطل على قرية "عفة" مسقط رأسها، بمديرية جحاف الضالع جنوبي اليمن، إذ أدى انهيار كتلة صخرية تطل على منطقتها إلى وفاتها، وجرح 9 فتيات من أقاربها 3 منهن إصابتهن خطيرة، وأسعفن للعلاج في مشافي عدن والضالع.
كعادتها كل يوم، كانت عبير في مهمة جلب المياه لأسرتها؛ إذ إن منطقتها تعاني من جفاف شديد، الأمر الذي يدفعها وفتيات بلدتها للمخاطرة بحياتهن بقطع مسافات طويلة للحصول على شربة ماء تبقيهم على قيد الحياة، لكن القدر زفها شهيدة لأهلها بدلاً من قِرَب الماء المُنتظرة ككل مرة .
الحادث المأساوي تسبب بوفاة الطفلة عبير، وإصابة شقيقتها سميحة ذي 13 عامًا، إصابة بالغة في الظهر وكسور في الرأس والأضلاع، وكريمة رضوان 11 عامًا، أصيبت بـ2 كسور في ذراعها الأيمن وكسور بالرأس، و الجريحة أروى علي قاسم 30 عامًا، أصيبت بكسور في الرأس والوجه والذراع الأيمن، وقد تم إسعافهن وقتها باتجاه مشافي الضالع وعدن، إلى جانب تعرض نساء أخريات بجانبهن لإصابات طفيفة، وتم تقديم الإسعافات الأولية البدائية لهن في نفس القرية حينذاك.
جمعة الوجع
مع قرب دنو ظهيرة جمعة 12 مارس الماضي، أضحت عفة وهي قرية صغيرة، تقع إلى أقصى الجنوب الغربي لمديرية جحاف بمحافظة الضالع، على واقعة مأساوية مفجعة، لمجموعة من نساء القرية أغلبهن أطفال، عندما ذهبنّ لجلب المياه إلى المنازل من أحد الحواجز المائية الصغيرة كعادتهنّ كل يوم.
يحكن "أنه وفور وصولهن إلى مكان الحواجز التي تقع أسفل تلة جبل السَّنَامة، وقد هممن بسحب الماء عبر الدلو، تفاجأنّ بسماع صوت قوي من اتجاه أعلى الجبل، وحين نظرنّ إلى الأعلى فإذا بهن يرون أطنان من الصخور تنهار باتجاههنّ، بشكل مباشر أشبه إلى السيل ترافقها سحب من الأتربة، وأصوات أشبه إلى الانفجارات، جراء ارتطام الصخور ببعضها عرض الجبل، ولم يكن هناك متسع من الوقت للهرب، بسبب أن المسافة كانت قريبة، ليجدنّ أنفسهم وسط هذه الصخور المتدحرجة، والموت يتساقط عليهن من كل حدب وصوب، وبقدرة الله نجت أغلبية من كنّ في المكان، بعد تعرضهن لإصابات خفيفة.
تكهنات متعددة
ظلت الواقعة المفجعة حديث العامة منذ يومها، وقد رافقتها تكهنات وروايات كثيرة عن السبب الرئيس لانهيار الصخور المتسببة بسقوط ضحايا، فمنهم من يروي أنه سمع انفجار وأعقبه دخان أبيض من رأس الجبل، ومنهم من يروي أن الجبل تعرض إلى استهداف بصاروخ أو مقذوف أو ما شابه، ومنهم من يرجعه إلى تعرض المنطقة لهزة أو بركان، ومنهم من قال إنه انهيار طبيعي للصخور مثلما يحدث في مناطق أخرى، حتى أن بعض الصحف والمواقع أوردت الخبر على أنه كان نتيجة صاروخ أطلقته مليشيات الحوثي.
الروايات المختلفة حول الفاجعة المأساوية، كانت سبب عزمنا لزيارة مكان الواقعة ومعرفة حقيقة الأمر عن قرب، كون المنطقة بعيدة عن دائرة المواجهات العسكرية التي تشهدها المحافظة.
الطريق إلى عفة
مع بزوغ شمس الصباح انطلقنا من منزلنا حتى وصلنا إلى قرية سوَّق جنوب منطقة حجر السُفلى عند العاشرة صباحًا، هناك التقينا بأحد أهالي منطقة عفة يدعى أنيس عبدالله محسن ليرشدنا في الطريق إلى عفة، ثم صعدنا الجبل مشيًا على الأقدام، في طريق شاقة ووعرة تطلبت منا أحيانًا استخدام أيدينا في عملية الصعود وتسلق الجبال الوعرة، وقد وصلنا أولًا إلى مكان الحادث في أسفل جبل السنَامَة"، عند حوالي الساعة الواحدة بعد الظهر.
في المكان كانت هناك بقايا لآلاف الصخور مفتتة، ومختلفة الأحجام، وآثار تدحرجها منتشرة في كل مكان، باتجاه حواجز المياه/السدود مكان سقوط الضحايا، وتلك الصخور والأحجار مغطية مساحة تقدر بنحو 400-350 متر عرض الجبل، وتدحرجت للأسفل بنحو 1و½كم باتجاه قرية التُريرَة التابعة لمنطقة عُمُور مديرية الأزارق، وكان المكان ينبئ بهول وفظاعة الحدث، فمئات الأطنان من الصخور مرت من المكان، وآثارها لاتزال باقية إلى الجهة الغربية لجبل السِنَامَة.
في قلب الفاجعة
في مسرح سقوط الضحايا، تركزت اهتماماتنا على تفقد واستكشاف المكان أسفل تلة السنامة، بحثًا عن أي بقايا أخرى، غير الصخور من شظايا أو أدخنة، وغيرها من الآثار التي تبين بشكل ملموس على أن يكون الجبل قد تعرض لاستهداف صاروخي أو ما شابه، حسبما كان يشاع في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، لكننا لم نعثر سوى على بقايا الصخور المنتشرة في كل زاوية وآثار سقوط الضحايا في المكان.
عقب ذلك توجهنا إلى قرية عفة عند حوالي الساعة الثانية بعد الظهر، والتقينا هناك ببعض الأهالي حيث رحبوا بنا وقدموا لنا وجبة الغداء، وكانوا أهل كرم وطيبة، وقد أخجلونا ببساطتهم وأخلاقهم فعلًا، وبعد تناول الغداء ذهبنا برفقتهم إلى إحدى الأماكن القريبة من القرية، وهناك تبادلنا معهم الحديث حول هذا الحادث، وكانوا جميعهم يصرون على أنهم سمعوا انفجار مصدره رأس جبل "السِنامَة" المطل على قريتهم، رافقه تصاعد دخان أبيض وقت سقوط القلاع من أعلى القمة باتجاه الأسفل مخلفة تلك الضحايا.
تكررت محادثاتنا مع الأهالي عما إذا كانوا قد عثروا على أي من بقايا عينية تدل على حدوث انفجار من مقذوف أو غيره، فأجابوا أنهم انشغلوا بالحادث وإسعاف المصابات، إلى جانب أن المكان الذي وقع فيه الانفجار شاهق، إضافة إلى أن من غير العادة أن تسقط الصخور في هذه الأيام دون هطول أمطار -حسب وصفهم- وهو الأمر الذي أدخل فينا الشك أيضًا، وجعلنا نرتب لرحلة إضافية إلى رأس قمة جبل السنامة للتأكد ونقطع الشك باليقين.
أزهار تحكي ما حدث
قبل أن نتسلق قمة جبل السنامة الشاهق، كنا قد التقينا بالطريق على الجانب الآخر للجبل بمجموعة من الفتيات، وهن في طريقهن لجلب المياه إلى منازلهن، وكان الوقت عصرًا، وبالصدفة وجدنا من بينهم إحدى الناجيات تدعى "أزهار عبدالله محسن"، وبعد إذن أهلها تحدثت لنا عما حدث، فكان حديثها يدل على أن الواقعة كانت مفجعة بالنسبة لهنّ، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
تحكي أزهار ”سمعنا أولًا مثل صوت الرياح تعصف أعلى التل، تلتها صوت ارتطام أو انفجار قوي، وأصوات انهيارات وتدحرج، والتفتنا نحو الأعلى إلا ونتفاجأ بصخور كثيرة تتدحرج باتجاهنا بسرعة كبيرة، وتطاير وتتوزع، وأصبحت تحاصرنا من كل اتجاه، ولم نستطيع الهرب، وبعد ثوانٍ وجدنا أنفسنا وسط هذه القلاع والصخور المتدحرجة، وقد غطى الغبار المكان، ولم نستطيع أن نرى أو نسمع شيء سوى الغبار وأصوات تدحرج الصخور“.
الموت في عيون الناجيات
بلكنتها المعهودة تضيف أزهار” عندها أيقنا الموت، ولم ندري ماذا نفعل إلا الاستسلام للقدر، وتسمرت كلًا منا مكانها، وحدث ما حدث، وبعد مرور الصخور وبدأ الغبار يتلاشى، نلتفت لتتفقد كلًا منا نفسها، ومن بجانبها، وكنا كلنا ننزف ومغمورات بالغبار والأتربة، ونصيح بأعلى أصواتنا من شدة الرعب، والدماء تغطي أجسادنا، وبعد ثوان سمعت صوت من تحت ركام الصخور، والتفت وإذا بعبير تلفظ أنفاسها الأخيرة، بعد أن مزقتها الصخور إلى أشلاء".
تتوقف أزهار برهة عن الحديث، تأخذ نفس عميق، وتمسح دموعها بكلتي يداها لتعود قائلة " أصيبت ثلاث أخريات بإصابات بالغة، وكن فاقدات الوعي، وأكثر من خمس من صديقاتي تعرضن لإصابات طفيفة، وأنا من بينهنّ، لأننا كنا بالمكان حوالي عشر فتيات، وكنا حينها جميعًا نصيح في حالة ذعر وخوف، وظللنا على هذه الحالة لما يقارب ربع ساعة، حتى أتى الأهالي ليتم إسعاف المغمى عليهن على الفور، أما اللواتي أصبنّ بإصابات طفيفة تم أخذهن للمنازل“.
الموت يهدد فتيات عفة
وفي معرض ردها عن سؤال "لماذا كنتنّ تذهبنّ إلى هذا المكان الخطر دون غيره؟" تجيب الناجية أزهار” لا نملك مكان آخر قريب لتزويد القرية بالماء، إلا هذا المصدر الوحيد الذي نعتمد عليه في القرية بسبب الجفاف“.
تضيف” هذه الحادثة أصابتنا جميعًا كنساء وفتيات في القرية بالذعر، ولم نعد نذهب إلى ذلك المكان؛ لأنه أصبح بالنسبة لنا مخيف ومرعب، ويذكرنا بهول هذه الفاجعة، كما أن السدود أو الحواجز قد دمرت وطمرت المياه فيها بفعل الصخور، وهذا ما سبب لنا مشقة كبيرة جدًا في الحصول على المياه الآن، لذلك نذهب حاليًا إلى مناطق بعيدة للحصول على المياه بهذه القرب التي نحملها على رؤوسنا؛ لأن الطريق وعرة وشاقة لا تستطع الحمير العبور فيها“.
في قمة جبل الموت
لحظة انتهاء توثيق إفادات الناجية أزهار، أتممنا رحلتنا بالتسلق مجددًا نحو قمة جبل السِّنَامة الشاهق، الذي يبدو من بعيد أشبه إلى ملك يتسيد العرش على قرنائه من القمم والتلال المجاورة، وقد هممنا بالتسلق كي نتأكد مما إذا كان سقوط الصخور ناتج عن استهداف بصاروخ أو ما شابه، بحسب تكهنات بعض الأهالي، أو كونه انهيار طبيعي كما يحدث بمناطق أخرى، لذلك صعدنا راجلين نحو هذه القمة، وقطعنا مجددًا نحو 800 متر إضافية صعودًا برفقة مجموعة من أهالي القرية من الشباب.
بعد مضي نحو ساعة ونصف من التسلق الشاق وصلنا إلى الأعلى بصعوبة كبيرة فوجدنا آثار مكان انقلاع الصخور التي خلفت الضحايا، حيث سقطت كتلة كبيرة من الصخور من أصل صخرة أخرى لم تزل معلقة في المنحدر الصخري على حافة القمة، ولازالت هي الأخرى آيلة للسقوط أيضًا، وكان يفصلنا عنها نحو 20 مترًا إلى الأسفل منا، ولم نستطع النزول إلى مكانها لخطورة المكان، وقتها حاولنا التدقيق في المكان باستخدام الكاميرا عبر خاصية التقريب بحثًا عن آثار انفجار كبقايا لشظايا أو أدخنة أو غيره، لكننا لم نجد أيًا منها أيضًا كما هو الحال في أسفل الجبل، وهو ما رجَّح افتراض أن الانهيار ناتج عن أسباب جيولوجية طبيعية بفعل الجاذبية الأرضية.
الخطر لازال يهدد الأهالي
أثناء تواجدنا في أعلى قمة الجبل، طفنا في المكان فوجدنا أن هناك شقوق وفوالق عميقة تتوزع على طول وعرض الطبقات الصخرية أعلى القمة، مما ينذر بانهيار جميع الكتل الصخرية فيها، التي في حال سقطت ستتسبب بكوارث كبيرة جدًا حتمًا، وحتى الشك تملكني بقوة أن تلك الصخور ستنهار تحت قدمي بمجرد الدوس عليها، وكان المكان شاهقًا جدًا، ويثير الخوف والهلع والدوار في آن واحد.. وهنا انتهت رحلة استكشافنا عن موضوع تساقط الصخور، لنبدأ معها تسليط الضوء على معاناة الأهالي في تلك المنطقة.
معاناة متعددة
بالحديث عن هذا الموضوع لابد أن نسلط الضوء أولًا على تضاريس هذه المنطقة وموقعها الجغرافي، حيث تعتبر عفة منطقة جبلية نائية ذات تضاريس وعرة وقاسية، وتقع في أقصى الجنوب الغربي لمديرية جحاف جنوب غرب منطقة بني سعيد، وتعتبر آخر منطقة تابعة للمديرية إداريًا، لكنها الأقرب إلى مناطق عُمُور في مديرية الأزارق جنوبًا، إلى جانب أنها قريبة أيضًا من منطقة حجر السفلى التابعة لمديرية الضالع، التي تحدها من الشمال أسفل الجبل، والتي منها انطلقنا في رحلتنا نحو عفة باعتبارها الأقرب، وهي منطقة جبلية ذات مناخ معتدل صيفًا وشتاءً، ويقدر عدد سكانها بنحو 350 نسمة من مختلف الأعمار.
حياة بدائية
يعيش أهالي عفة في حالة من الانعدام شبه التام لمصادر الدخل، حيث يعتمد أرباب الأسر على العمل اليدوي/العضلي اليومي في مناطق أخرى، كمصدر الدخل الأساسي لتغطية نفقات أسرهم وأطفالهم، إلى جانب اعتماد بعض الأسر على عدد من رؤوس الأغنام كمصدر دخل وحيد، يتم بيع أحدها لتوفير احتياجات الأسرة عند كل مرة تحتاج فيها إلى شراء المواد الأساسية، أما الزراعة فتكاد تكون ضئيلة وموسمية تحديدًا عند نزول الأمطار، حيث يقوم الأهالي بزراعة بعض الحبوب في مدرجاتهم الزراعية، التي يتم حراثتها بأدوات بدائية على ظهور الحمير.
من خلال زيارتنا لمنطقة عفة، وجدنا أنها منطقة تفتقر لأدنى الخدمات، ولا وجود للدولة ولا للمنظمات الإنسانية فيها أيضًا، حيث يعيش الأهالي وسط معاناة متشعبة تحاصرهم من كل زاوية في حياتهم، فلا وجود للمياه ولا الطرقات ولا الصحة ولا التعليم ولا أي من الخدمات العامة.
حيث يذهب الأهالي إلى مناطق بعيدة للحصول على الدواء أو معاينة أو إجراء فحص وربما إلى مدينة سناح أو الضالع، وكذلك يقطع أطفالهم كل يوم مسافات طويلة مشيًا على الأقدام، وعبر الطرق الجبلية الوعرة والخطرة صعودًا ونزولًا باتجاه قرى بني سعيد في رأس مديرية جحاف، وغيرها من المناطق للالتحاق بالمدارس، ناهيك عن مشقة توفير المياه التي تعاني منها النساء والفتيات، وكذلك مشقة توفير لقمة العيش التي يكابدها الرجال.
عفة خارج التغطية
بحسب المواطن "محمد علي علي قاسم" وهو من أهالي عفة، إنهم يعيشون وسط ظروف صعبة وقاسية جدًا، لا يملكون وظائف حكومية، ولا أي مصدر دخل، سوى الاعتماد على أنفسهم في توفير قوت أولادهم، وعند سؤاله عن دور الجهات المعنية من جهات حكومية ومنظمات وغيرها، فقال” الدولة غائبة ولم نحصل على أي من المساعدات، ولا أي من المشاريع لمنطقتنا“.
وأضاف ”حتى المشاريع الإغاثية التي تقدمها المنظمات الداعمة لم تصلنا، التي نحن بحاجة ماسة لها، إلا من مشروع صغير عبارة عن سد مائي ساهمت فيه إحدى المنظمات بنحو 20 %، وتحملنا نحن الأهالي باقي التكلفة، وهو الحسنة الوحيدة، وهذا المشروع يمد الأهالي بمياه الشرب من مياه الأمطار لفترة بسيطة في بداية السنة ومن ثم ينفذ“.
الموت ولا المغادرة
أثناء حديثنا مع المواطن "محمد علي" عن إمكانية الانتقال من منطقتهم التي لا يجدون فيها أيًا من مصادر الدخل ولا أيًا من الخدمات، والبحث عن مناطق أخرى للعيش بشكل أسهل، فكان جوابه أنهم لم يستطيعوا الانتقال إلى أي مكان آخر إطلاقًا؛ لأنهم يفتقرون إلى أبسط المقومات والمتطلبات المادية والمالية، لبناء منازل أو استئجارها؛ لأنهم بالكاد حاليًا يوفرون قوت أسرهم من المواد الغذائية الأساسية.
المواطن "جابر أحمد علي عبيد" في رده على سؤالنا عن أسباب غياب دور المنظمات الإنسانية عن بلدتهم في الوقت الذي توجد هناك مشاريع لهذه المنظمات في مناطق أخرى قريبة منهم، فكان رده أن السبب يعود لعدم وجود شخص من أهالي القرية عنده القدرة على توفير نفقات المتابعة عند الجهات المعنية في السلطة المحلية، وكذلك المنظمات بشكل متواصل؛ لأن الكل منشغل بتوفير قوت أسرته، إلى جانب أن منطقتهم "عفَّة" تعد منطقة وعرة، وبعيدة عن المدينة والطرق الرئيسة، ولم يسبق أن قد زارتها أو قد اهتمت بها أي جهة سوى منظمات إنسانية أو جهة حكومية، وليس لديهم نافذة أخرى لرفع وعرض معاناتهم عبرها على الجهات المختصة حد وصفه.
وعود عرقوب
وأضاف في حديثه "نسمع من وقت لآخر عن مشاريع بعينها تابعة لمنظمة ما، ستستهدف منطقتنا، لكننا بعد فترة وجيزة تأتينا الأخبار أن هذا المشروع قد تم تحويله إلى منطقة أخرى“.
وتابع قائلًا: ”في إحدى المرات كان قد شملنا مشروع بناء حمامات استهدف عددًا من القرى بما فيها قريتنا، ولما أتى مشرف المنظمة ورأى وعورة المكان، قال لنا "أنتم بحاجة إلى مشروع شق طريق أولًا؛ لأن نقل المواد إلى قريتكم صعب جدًا“ واستبشرنا خيرًا وقتها، لكننا تفاجأنا مؤخرًا بأننا حرمنا من مشروع الحمامات ومن مشروع شق الطريق معا“.
أهالي الضحايا يستغيثون
وسط هذا الكم من المعاناة التي يعيشها أهالي منطقة عفة بشكل عام، يعيش أهالي ضحايا تساقط الصخور في ظروف خاصة ومأساوية، تضاف إلى معاناتهم العامة، فقد ضاعف هذا الحادث من معاناتهم بشكل كبير، وأصبحوا لا يجدون ما يوفر نفقات وتكلفة العلاج في مشافي عدن والضالع، أو من يغطي احتياجات الأسر في المنازل كما تحدث والد الطفلة عبير "المتوفية" والطفلة الجريحة سميحة المواطن عبده علي بن علي واصفًا حاله وحال الجميع.
حالة استثنائية
أما حال والدا الطفلة الجريحة كريمة، التي تطلب إسعافها إلى العاصمة عدن، يعيشون وسط ظروف استثنائية مؤسفة، حيث يعاني والدها منذ فترة من مرض في العمود أقعده الفراش في المنزل، إلى جانب أن والدتها أيضًا تعاني من مرض مشابه، ولا زالت طريحة الفراش أيضا.
نداء الإنسانية
حاولنا من خلال تلك الزيارة القصيرة فقط أن نعرض جانب من صور وقصص المعاناة التي يعيشها أهالي منطقة عفة، لكن يبقى ما خفي هو الأعظم: ومن هنا نجدها مناسبة أن نوصل مناشدة أهالي هذه المنطقة أولًا للسلطة المحلية في مديرية جحاف، خاصة ومحافظة الضالع بشكل عام، إلى جانب القيادة المحلية للمجلس الانتقالي، وكذلك المنظمات الإنسانية بمحافظة الضالع.
نلفت نظر الجميع أعلاه إلى حال أهالي هذه المنطقة بشكل عام، وأسر الضحايا في هذا الحادث الأليم بشكل خاص، فهم بحاجة ماسة إلى المساعدات العاجلة والطارئة، ولعل هذه الحادثة وهذه الكارثة التي حلت بهم كانت سببًا في إظهار معاناتهم المتنوعة، وظروفهم القاسية للجهات المعنية، التي كانت ستظل في طي النسيان إلى إن يشاء الله.
*نشر هذا التقرير في صحيفة الأيام بإشراف من مؤسسة الصحافة الإنسانية