حياة على الماشي
2021-06-22
عدن بسام القاضي:
على امتداد رصيف الشارع المؤدي من جوله الغزل والنسيج إلى جولة القاهرة بمسافة لا تزيد عن كيلو متر واحد، ينام عشرات المهاجرين الأفارقة تحت الأشجار من دون مكان يأويهم للنوم ولا مأوى يقيهم حر ورطوبة صيف عدن المنهك سوء كراتين لا تسمن ولا تغني من جوع، كما أنهم لا يجدون ما يأكلوه، وفوق ذلك يُحرمون من المساعدات الإنسانية، والرعاية الصحية، ويتعرضون للإساءة والاستغلال والاحتجاز في أماكن غير مؤهلة وتفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، كل ذلك يحدث في ظل الأوضاع العادية، فما بالك بوضعهم وسط جائحة كورونا.
يعتبر المهاجرون الأفارقة في اليمن من بين الناس الأكثر ضعفًا وتضررًا من الفيروس التاجي ليس في اليمن فقط بل في المنطقة ككل، ولازال عشرات الآلاف منهم عالقون في البلد الذي يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم وغير قادرين على الاستمرار في مواصلة الرحلة إلى السعودية، بسبب الحرب على الحدود مع المملكة، ولا حتى العودة إلى أوطانهم كونهم لا يملكون ما يسد رمقهم، فما بالك بتكاليف سفرهم، الموت يحاصرهم من كل حدب وصوب.
فاقم وباء فيروس كوفيد-19 أوضاع المهاجرين في اليمن، المحفوفة بالمخاطر أصلًا، الذين تعرضوا للتمييز المجحف المستمر، ووصمة العار، والطرد القسري، والمعاملة السيئة، بما فيها العنف الجنسي، وفقًا لتقرير منظمة العفو الدولية لعام 2020.
وأكد التقرير ذاته بأن القوات الحوثية احتجزت مهاجرين في ظروف مزرية، وحرمتهم من الحصول على الحماية وإجراءات طلب اللجوء، وعندما تفشَّى الوباء، طردت السلطات الحوثية آلاف المهاجرين إلى المملكة العربية السعودية، حيث احتُجزوا في ظروف تشكل خطرًا على حياتهم بانتظار إعادتهم إلى بلدانهم.
يحكي محمد الهرري ذو الـ 27 عامًا أحد المهاجرين الأفارقة "غير النظاميين" الواصلين لليمن مع بدأ انتشار فيروس كورونا في البلاد خلال العام الماضي لـ"Hjr" معاناته أثناء احتجازهم في صنعاء في حوش يديره جماعة الحوثيين ويفتقر إلى الخدمات الأساسية، بالقول: يتم احتجازنا في أحواش لا تصلح للحيوانات فما بالك بنحن البشر ومن دون حمامات ولا دورات مياه ولا تغذية ولا مياه للشرب ولا فرش ولا أي شيء يذكر، ومع ذلك يتم طلب مبالغ مالية كبيرة منا لأجل إطلاق سراحنا حد تعبيره ذلك.
يضيف محمد “إثيوبي الجنسية" للأسف يتم احتجاز المئات منا وسط انتشار كورونا ودون أن يقدمون لنا شيء، فنبقى أمام خيارين أما الموت جوعًا أو دفع مبالغ مالية لهم ليتم ترحلينا إلى خارج صنعاء، مما دفعنا أنا وكثيرون إلى التواصل مع أهالينا لدفع المال مقابل الإفراج عنا، نحن نعيش أوضاع إنسانية صعبة ويتم التعامل معنا بقسوة، مع أننا لا نريد البقاء في اليمن، بل نريد الهروب للسعودية للبحث عن فرص عمل لنعيش بكرامة وإنسانية يقول محمد.
إلى ذلك أكد المحامي والمستشار القانوني جمال محمد الجعبي أن توفير الحماية للمهاجرين هي مهمة سلطات الأمن اليمنية، مشيرًا بأن ملف المهاجرين شائك ومعقد ويحتاج شراكة بين سلطات الأمن في الدولة والمجتمع الدولي، كون قضايا المهاجرين كبيرة وتتجاوز إمكانات السلطات الأمنية في اليمن، شمالًا أو جنوبًا، حيث فاقمت جائحة كورونا المشكلة وباتت أكثر تعقيدًا.
يشير الجعبي الذي عمل مستشارًا قانونيًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في اليمن لأكثر من 12 عامًا في تصريحات لـ "Hjr" بأن معالجة أوضاع المهاجرين تتمثل في إعادتهم إلى بلادهم، على الرغم من أن ذلك لن يكون سهلًا مالم يحدث تدخل جاد ومسؤول من المجتمع الدولي عبر المنظمات، وبإشراف السلطات، ويبدو أن هناك مشكلة وفجوة بين السلطات الأمنية والمنظمات الدولية انعكست سلبًا على معالجة مشكلة صارت واقع يتراكم في اليمن منذ سنوات طوال وليست وليدة اللحظة.
ظاهرة المهاجرين الأفارقة موجودة منذ أكثر من 15 سنة في اليمن وقبلها في دول أخرى مثل ليبيا والمغرب، وأفغانستان وباكستان، وغيرها من الدول، وأن المشكلة وسوء الفهم تحدث بين مطالب السلطات في مساعدتها بترحيل المهاجرين وبين مطالب المنظمات في الاطلاع على مراكز الاحتجاز، وبذلك تزداد أوضاع المهاجرين المحتجزين سوء خصوصاً في ظل تفشي وباء كورونا يقول الجعبي.
وكان رؤساء البعثات الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي لدى اليمن قد عبروا في وقت سابق عن انزعاجهم جراء الأحداث والخسائر في الأرواح للمهاجرين الأفارقة المرتبطة بالحريق الذي حصل في منشأة الاحتجاز المزدحمة بمصلحة الهجرة والجوازات والجنسية في صنعاء مطلع مارس 2021.
ودعوا في بيانهم الصادر بمنتصف مارس الماضي إلى إجراء تحقيق خارجي فوري ومستقل في الحادثة، وإلى المساءلة وتعويض الضحايا وأسرهم، مؤكدين أن النتيجة المميتة مرتبطة بالظروف المريعة التي يجري فيها احتجاز المهاجرين في المراكز، المسؤولة عنها سلطات الأمر الواقع في صنعاء. وطالبت سلطات الأمر الواقع في صنعاء إلى إغلاق المركز بشكله الراهن، ودعوا في الوقت نفسه جميع الأطراف والسلطات اليمنية إلى وقف ممارسات اعتقال المهاجرين واحتجازهم اعتباطيًا ونقلهم بالقوة، مؤكدين أن المهاجرين يواجهون احتياجات إنسانية وأخرى متعلقة بالحماية بشكل حرج، والحاجة إلى ضمان وجود ظروف إنسانية للمهاجرين بحسب القانون الدولي لحقوق الإنسان والمعايير الدولية.
وفي حديثه لـ "Hjf" يذهب الناشط في المجال الإغاثي والإنساني ماهر عبدالنور إلى القول "خلال الثلاثة الأعوام الأخيرة وصل إلى اليمن ما يقارب 300 ألف مهاجر من القرن الأفريقي محاولين الهروب إلى السعودية، الأمر الذي فاقم من تواجدهم بمدينة عدن الساحلية، متخذين من الشوارع والجولات ملاذًا آمنًا لهم، دون أي رعاية من المنظمات الدولية أو الجهات المعنية".
وأوضح بأن تفشي وباء كورونا وتدهور الوضع الإنساني وانهيار العملة، واستمرار الحرب للعام السابع قد فاقم من معاناة المهاجرين واليمنيين على حد سواء وأدى ذلك إلى معاملة غير إنسانية واستغلال للمهاجرين أخرها جريمة احتراق مركز احتجاز الأفارقة في صنعاء مطلع مارس الماضي والذي راح ضحيته مئات الوفيات والمصابين".
تتفاقم المعاناة وتزداد الأوضاع الإنسانية تدهورًا في اليمن مع استمرار تفشي كوفيد-19، ولا تقتصر مشكلة انعدام مقومات الحياة الكريمة في أماكن الاحتجاز على المهاجرين الأفارقة وحدهم إذ يقاسمهم ذات المأساة النازحين اليمنيين الذي يصل عددهم إلى 4 مليون نازح بحسب بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
ووفقاً لإحصائيات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تستضيف اليمن ما يقارب 300 ألف لجئ وطالب لجوء معظمهم من الصومال بنسبة 90 بالمائة، يليهم الأثيوبيين.
وتشهد اليمن سنويًا عبور ما يزيد عن 100 ألف مهاجر "غير نظامي" أغلبيتهم من المهاجرين الأثيوبيين الذين يتخذون من السواحل اليمنية نقطة عبور نحو السعودية ودول الخليج، وبحسب المنظمة الدولية للهجرة فقد وصل اليمن العام ما قبل الماضي 138 الف مهاجر أكثر من 90 بالمائة منهم قدموا من إثيوبيا.
ويزداد الوضع الإنساني لليمنيين صعوبة أكثر في ظل جائحة كورونا، إذ يحتاج ما يزيد عن 80 بالمائة من إجمالي عدد السكان الكلي في اليمن بحسب الأمم المتحدة إلى مساعدات إنسانية ماسة.
ويعيش اليمن الذي تطحنه الحرب للعام السابع على التوالي أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
(أنتج هذا التقرير بدعم من JHR / JDH صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا)