مهمشو اليمن .. مواطنون منسيون
2021-06-26
عدن بسام القاضي:
"أنتم أخدام مش نازحين" دائماً ما تتردد على مسامعي هذه العبارة في أكثر من مخيم للنازحين المهمشين في عدن ولحج، كلما ذهبت لطلب المساعدة ومحاولة الحصول على سلة غذائية من العاملين في المنظمات الإغاثية والإنسانية. إنهم يعاملونا بعنصرية وكأننا لسنا بني آدم مثلهم تماماً. هذه العنصرية ضدنا زادت أكثر مع انتشار كورونا، بهذه الكلمات يلخص فهيد التهامي معاناة مهمشي اليمن من التمييز العنصري تجاههم.
* التعامل بعنصرية
الثلاثيني فهيد من مهمشي تهامة النازحين إلى أحد مخيمات مدينة الشعب غرب مدينة عدن جنوب اليمن، يشكو حرمانه من استلام المساعدات الإنسانية من السلة الإغاثية الشهرية ومواد النظافة الصحية والطبية ضد فيروس كورونا، رغم أنه كما يفيد أحد موظفي الصرف الصحي النازحين من الحديدة. مشيراً إلى أن الجميع يتعامل معهم بعنصرية -الدولة والمنظمات وفاعلي الخير- والسبب بشرتهم السوداء "وأنهم أخدام"، كما يقول.
فاقمت جائحة كوفيد 19 من ازدياد التمييز العنصري تجاه المهمشين، ولم تعانِ فئة مجتمعية يمنية من آثار الحرب الحالية مثلهم، بحسب مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية وهم أدنى طبقة اجتماعية يمنية من حيث المكانة، وقد واجهت قروناً من التمييز والاستغلال والفقر. ويشار إلى المهمشين في اليمن باسم (الأخدام) كتمييز سلبي.
وحتى اللحظة لا توجد إحصائيات رسمية عن عدد المهمشين، لكن الأمم المتحدة أفادت أن هناك حوالي 3.5 ملايين مهمش في اليمن، يقطنون بشكل أساسي ضمن عشوائيات على أطراف المدن دون أي خدمات تذكر، وغالباً دون كهرباء أو ماء نظيف وغيرها، ويعانون كثيراً من التهميش والتمييز الطبقي والاجتماعي والعنصري، ولا يلقون أي اهتمام من الحكومة أو المنظمات الإغاثية، كما يفيد بذلك العديد من المهمشين الذين التقاهم معد التقرير.
* لا وقاية من كوفيد-19
وتشكو النازحتان قبلة عمير، أم لطفلين، وبديعة فتيني، أم لخمسة أطفال، من النظرة الدونية تجاههن والتمييز العنصري للفئات المهمشة ككل، لكونهم من "ذوي البشرة السوداء - الأخدام"، الأمر الذي بسببه تقوم المنظمات الإغاثية الدولية والمحلية بحرمانهم من الحصول على مواد النظافة الصحية للوقاية من فيروس كورونا، وكذا المساعدات الإنسانية الغذائية، حد قولهن.
إلى ذلك، يقول نعمان الحذيفي -ممثل المهمشين في مؤتمر الحوار الوطني 2013-: إن المهمشين في ظل الفيروس التاجي كوفيد 19 يعانون من عدم وجود توعية ضد الفيروس، وانعدام أدوات الحماية والسلامة المهنية للعاملين بقطاع النظافة والصرف الصحي، وهي وظائف يشغلها كلياً المهمشون، وكذا العمل في مجال جمع وفرز الخردوات وبيعها.
* الدستور يناهض العنصرية
وأكد نعمان أن هناك مجموعة من المواد الدستورية والقانونية العامة، وليست الخاصة منها بشأن دستور الجمهورية اليمنية، التي تحمي حقوق الفئات المهمشة، أبرزها المادة (6) ونصها حرفياً "تؤكد الدولة العمل بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق جامعة الدول العربية وقواعد القانون الدولي التي يُعترف بها بصورة عامة"، والمادة (24): "تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين سياسياً واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافياً، وتصدر القوانين لتحقيق ذلك"، والمادة (29): "العمل حق وشرف وضرورة لتطور المجتمع، ولكل مواطن الحق في ممارسة العمل الذي يختاره لنفسه في حدود القانون، ولا يجوز فرض أي عمل إجبارياً على المواطنين، إلا بمقتضى قانون، ولأداء خدمة عامة، وبمقابل أجر عادل، وينظم قانون العمل النقابي والمهني بين العمال وأصحاب العمل".
وبشأن التمييز العنصري، أوضح الحذيفي أن المادة (2): الفقرة (ج): "تتخذ كل دولة طرف تدابير فعالة لإعادة النظر في السياسات الحكومية القومية والمحلية، ولتعديل أو إلغاء أو إبطال أي قوانين أو أنظمة تكون مؤدية إلى إقامة التمييز العنصري أو إلى إدامته حيثما يكون قائمًا"، الفقرة (د): تقوّم كل دولة طرفاً بجميع الوسائل المناسبة بما في ذلك سن التشريعات المقتضاة إذا تطلبتها الظروف بحظر أو إنهاء أي تمييز عنصري يصدر عن أي أشخاص أو أي جماعة أو منظمة.
فيما المادة (5): الفقرة (هـ) من القانون ذاته تنص على: "الحق في العمل وفي حرية اختيار نوع العمل وفي شروط عمل عادلة ومرضية وفي الحماية من البطالة وفي تقاضي أجر متساوٍ عن العمل المتساوي وفي نيل مكافئة عادلة ومرضية"، أما بشأن الفصل العنصري فالمادة (2): الفقرة (ب): إخضاع فئة أو فئات عمداً لظروف معيشية يقصد منها أن تفضي بها إلى الهلاك الجسدي كلياً أو جزئياً، الفقرة (هـ): استغلال عمل أعضاء أي فئة أو فئات عنصرية، لا سيما لإخضاعهم للعمل القسري. وفقاً للحذيفي.
*المساعدات الانسانية لاتصل للمهمشين
وعلى الرغم من أن الوكالات الإنسانية غالباً ما تعرض صور المهمشين في حملات جمع التبرعات والدعاية التي توثق الأزمة اليمنية، إلا أن المساعدات الإنسانية التي تصل لمجتمع المهمشين هي أقل اتساقاً بكثير من المجموعات الأخرى، وفي بعض المناطق تم إقصاء المهمشين من قوائم المساعدات وفقاً لتقرير مركز صنعاء.
ويشير التقرير ذاته إلى أن المهمشين كانوا عادة من بين أوائل المرحلين ضمن الصراع الحالي، مع اقتران النزوح بالتمييز، وتم تهجير مجموعات كبيرة من المهمشين بسبب الصراع في عدن وتعز والحديدة، لكنهم عانوا في الوصول إلى مخيمات النازحين داخلياً أو إلى الملاجئ في المؤسسات العامة مثل المدارس، وذلك بسبب العنصرية من قبل النازحين الآخرين.
وأوضح صلاح دبوان، الأمين العام للاتحاد الوطني للفئات الأشد فقراً، أن تفشي فيروس كورونا، وتدهور الأوضاع الصحية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية نتيجة استمرار الحرب، قد زاد من معاناة الفئات المهمشة والضعيفة، بالرغم مما عانته من حرمان لحقوقها في الظروف الطبيعية، وما كان يمارس ضدها من إقصاء وتمييز من قبل الأنظمة السابقة.
وأكد أن الوضع الراهن الذي تعيشه البلاد في ظل وباء كورونا العالمي، ساعد كثيراً على اتساع فجوة التفاوت الاجتماعي والطبقي لفئة المهمشين الذين يعانون بشدة من التمييز العنصري تجاههم، إذ يحرم المهمشون من الحصول على المساعدات الإنسانية والصحية المقدمة من المانحين، أو حتى من المنظمات الإغاثية، وذلك لطبيعة العلاقة السابقة في التمييز والنظرة الدونية لهم.
* غياب التمثيل المدني
ولفت دبوان إلى أنه لا يوجد منظمات مجتمع مدني تمثل المجتمعات المهمشة والضعيفة في التحالفات والتجمعات المحلية والإقليمية والدولية، ما يجعلها غير قادرة على توصيل قضاياها وإبراز مشاكلها الحقيقية، مما يضاعف التمييز والإقصاء تجاهها، حد تعبيره.
ويعتبر التقرير الدوري الشامل الذي يتم إصداره ومناقشته كل أربع سنوات في مجلس حقوق الإنسان آخره كان في عام 2018، قضايا المهمشين والضعفاء من أكثر القضايا الرئيسية التي يتم استعراضها، وتقدم فيها تقارير من الجانب الحكومي ومن جانب منظمات المجتمع المدني بما يسمى "تقرير الظل"، وكلها لا تعني هذه الفئات ولا تستفيد منها، وإنما تتحول إلى مهاترات واتهامات بين الطرفين تعود بالسلبية الكاملة لهم. وفقاً لصلاح دبوان.
وتشير تقديرات المنظمة الدولية للهجرة، مكتب اليمن، إلى أن 18 مليون شخص بحاجة ماسة إلى مساعدات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، وأن المعاناة الإنسانية تزداد في مواقع الفئات المهمشة والضعيفة في ظل تدهور الأوضاع الصحية وتفشي وباء كوفيد 19 في البلاد التي تعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
(أنتج هذا التقرير بدعم من JDH / JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا)