غرف التفتيش تلتهم أرواح عمال الصرف الصحي في عدن

2021-07-01

عدن «Hjf» بسام القاضي:

"لم يكن يعلم الخمسيني عبدالله سيبان، أحد الموظفين القدامى في المؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي بمدينة عدن الجنوبية، أن ظهيرة يوم التاسع من يونيو الماضي هو آخر أيام حياته، أثناء نزوله لفتح سدة أحد مناهل المجاري في منطقة التقنية، دون ارتداء ملابس وأدوات الأمن والسلامة المهنية، ليفارق الحياة اختناقًا، بسبب الغازات المميتة داخل غرف التفتيش".

وتجاوز الوفيات في صفوف عمال الصرف الصحي في عدن، خلال السنوات الماضية 25 حالة وفاة، إذ تشير الإحصائيات إلى وجود ما يقارب 650 عاملًا وعاملة، وفقًا للنقابة العامة لعمال مؤسسة المياه والصرف الصحي بعدن.

ويذهب مدير أحواض المعالجة في مؤسسة المياه والصرف الصحي بعدن، محمد العروبة إلى الحديث عن الوضع الصعب للمؤسسة العامة المهددة بالإفلاس حاليًا، وسط تجاهل رسمي حكومي ومحلي، وتدني وضعف أجور العمال، وغياب التأمين الصحي والرعاية الاجتماعية، مضيفًا نحن العمال في الأحواض منذ عامين لم نستلم جزمات أو بدلات أو كفوف أو غيرها من أدوات الحماية والسلامة المهنية.

يضيف العروبة" عدن تفتقر إلى المشاريع الاستراتيجية في قطاع الصرف الصحي، وكل ما يحصل هي مشاريع ترقيعية، وما نحتاجه هو خطط ومشاريع للمستقبل، كما هي حاجة المدينة إلى وجود دولة قوية ورجال صادقين، وللأسف الناس في عدن آخر ما تفكر فيه هو الصرف الصحي، فتجد غرف التفتيش وخطوط الشبكة بداخلها الأحجار والجواني والبطانيات والتايرات والخرق والدبب وكل شيء لا يمكن تخيله، وكأنها مكب قمامة، وهذا يضر بالشبكة بشكل كبير جدًا".

"هناك تمييز بين إدارات وقطاعات عمل المؤسسة مع بعضها البعض، وتعطي الأولوية للمياه بكل شيء، دون الالتفات إلى قطاع الصرف الصحي والأحواض وغيرها، موضحًا بأن شبكة الصرف الصحي متهالكة وشبه منتهية، وأغلبها يحتاج تغيير ودعم حكومي لعمل شبكة صرف صحي تستوعب التوسع العمراني والكثافة السكانية، كون الشبكة قديمة ولم يتم تحديثها وتوسيعها منذ عقود"، يقول العروبة.

العمال الذين تحدثوا إلى معد التقرير أكدوا عن حاجة العاملين في قطاع الصرف الصحي إلى التوعية، وكيفية حمايتهم، ليس فقط من جائحة كورونا، وإنما من جميع الأوبئة والأمراض والمخاطر الصحية المحدقة بهم، والتي يمكن الحد منها من خلال تنظيم ورش عمل، ودورات تدريبية وتوعوية، وهم بأمس الحاجة لها، كون عملهم هو أكبر مخاطرة ومتلامس لمسببه العمل والجائحة والأمراض المعدية.

وناشد عمال الصرف الصحي في عدن الجهات المعنية الحكومية والمنظمات الدولية وهيئات الأمم المتحدة – لإدماج المهمشين وتعزيز الترابط الاجتماعي – ومجابهة المعلومات المضللة والمغلوطة بحق المهمشين بشكل عام، وعمال الصرف الصحي بشكل خاص.

يؤكد ماجد عزان رئيس النقابة العامة في مؤسسة المياه والصرف الصحي بعدن، بأن تدني الأجور من أبرز المشكلات التي يعانيها عمال الصرف الصحي، بالإضافة إلى عدم تقدير عملهم الذي يرفضه أغلب العمال، وهم فئة معينة تتعامل مع مياه المجاري بشكل مباشر، ولا يوجد رعاية صحية، حيث توقف التأمين الصحي منذ سنوات، إلى جانب توقف إجراء الفحوصات الدورية، إذ يعاني العمال من الإهمال وغياب الجانب التوعوي بمخاطر عملهم، وعدم إلزامهم بالتقيد بأدوات السلامة المهنية، فكثير من الإصابات تحدث بسبب تقصير من العامل نفسه، أو قسم السلامة ومهندس المنطقة.

وتطرق عزان إلى بعض الحلول الممكنة والميسرة لمعالجة قضايا عمال الصرف الصحي، منها تقدير نوعية عملهم، وتوفير الفحص الدوري، والتدريب والتوعية باستمرار، ومنحهم العلاوات النوعية للحد من المخاطر المحدقة بهم، مشيرًا بأنه يمكن التخفيف من معاناة العمال أولًا من خلال توفير معدات العمل اللازمة، من حرايد لفتح السدات، ورفع الأجور، وعدم الإهمال للجانب الصحي والمادي المالي المقدر لطبيعة عملهم الخطير، وتوفير أدوات ومعدات السلامة المهنية بشكل مستمر ودوري، وتفعيل العقوبات الرادعة للعامل والمسؤول عليه في حالة الإهمال.

ويستمد عمال الصرف الصحي قوتهم في المطالبة بحقوقهم إلى القانون؛ إذ أن المادة (186) من الدستور اليمني تؤكد نصيًا على "تطبق وحدات الجهاز الإداري للدولة والقطاعين العام والمختلط قواعد وأحكام الصحة والسلامة المهنية الواردة في قانون العمل واللوائح المنفذة له"، فيما المادة (187) من الدستور ذاته مضمونها "تطبق على الموظف القواعد والأحكام المتعلقة به في قانون التأمينات والمعاشات في المجالات التالية: أ- الرعاية الصحية، ب- تعويض الإصابة أثناء العمل أو بسببه، ج- مكافأة نهاية الخدمة، د- الحقوق التقاعدية"، كما تكفل نصوص المواد(113 – 118) من قانون العمل والخدمة المدنية من الدستور اليمني على "ضرورة وجود فحص دوري للسلامة المهنية"، وهو ما تضمنته اتفاقية العمل الدولية، وأيضًا ميثاق الأمم المتحدة، ودستور الاتحادين العربي والدولي لنقابات العمال، وجميعها تشير إلى الحق في الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية وتقاضي الأجور العادلة.

ويتطرق الناشط في مجال الإعلام المجتمعي محمد مساعد صالح إلى غياب دور منظمات المجتمع المدني بالضغط على أجهزة السلطات الحكومية المحلية والبلدية لوضع الخطط الهادفة لاستدامة العمل في قطاع الصرف الصحي والنظافة على حد سواء، والحفاظ على ديمومته، إلى جانب تدني مستوى الوعي لدى المجتمع المحلي والمدني في مناصرة ودعم قضايا العمال في هذا القطاع الحيوي المرتبط بحياة الناس وأمنهم البيئي حد تعبيره.

ويطالب العمال الجهات الرسمية المختصة بوضع هيكل خاص للأجور لشريحة موظفي قطاع الصرف الصحي بدرجة خاصة، كونهم الأمن البيئي، وهم أقل درجات في السلم الوظيفي، على الرغم مما يقدمونه من خدمات جليلة للوطن، وتثبيت عمال الأجر اليومي، ومنحهم درجات وظيفية، ووضع هيكل أجور مناسب لما يقومون به من أعمال ذات خطورة على صحتهم على المدى البعيد.

يعود العروبة للحديث محذرًا من كارثة تنتظر عدن، نتيجة تدمير أحواض المعالجة والصرف الصحي، والقضاء على حلم إعادة تأهيلها، على الرغم من توجيهات رئاسة الوزراء بخصوص الهناجر المستحدثة في مساحة الأحواض، والبسط على ما تبقى منها، مستدركًا، نقولها بكل أسف، مشروع الصندوق الكويتي، فشل بسبب رفض المنطقة الحرة تحويل ونقل الهناجر التي صرفت بحرم الأحواض والمخصص للتوسعة، مؤكدًا بأن أصحاب الهناجر المستحدثة، للأسف، هم من كبار وأقرباء القيادات الجنوبية التي تنشد الجنوب، وهم باسطون على أحواض الصرف الصحي التي تخدم المدينة، ونحن بسببهم قادمون على كارثة بيئية ضحيتها كل سكان عدن.

ولا توجد إحصائيات رسمية عن عدد عمال الصرف الصحي في عدن، حيث يشغل المهمشون جميع الوظائف فيه، لكن تقديرات منظمات الأمم المتحدة تشير إلى وجود حوالي 3.5 ملايين مهمش في اليمن.

ويعد عمال الصرف الصحي من أكثر الفئات تضررًا من الأمراض المعدية والأوبئة، وفي المقدمة تفشي فيروس كورونا، وقد فاقمت الجائحة من معاناتهم للأسوأ، لكون أعمالهم مسببة لكثير من الأمراض، وذلك في ظل عدم توفر أدوات الحماية والسلامة المهنية ومواد النظافة الصحية والوقاية من الجائحة، ولازالت المخاطر تلازمهم بشكل يومي ولا حياة لمن تنادي.

(أنتج هذا التقرير بدعم من JDH / JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا).