السرطان أصبح بمثابة حكم الإعدام لأطفال اليمن

2021-07-05

عدن/علياء فؤاد:

"ترقد الطفلة ندى حسين علي، ابنة الأربعة أعوام، في أحد أسِرة غرف مركز الأورام السرطانية بمستشفى الصداقة، شمال شرق العاصمة عدن، تعاني بألم تبعات مرض سرطان الدم، الذي ينهك جسدها النحيل دون شفقة ولا رحمة، ولا حتى خجل من براءة طفولتها الآسرة للقلب".

قَدِمَت ندى إلى عدن من إحدى قرى مدينة لودر، بمحافظة أبين المجاورة، لأسرة فقيرة ومعدمة، راعيها بلا عمل، فبعد اكتشاف الورم تم أخذها إلى مستشفى الصداقة بعدن، بدعم من بعض أهالي منطقتها، الذين تبرعوا لذويها بأجرة المواصلات لنزولها، وللكشف وتلقي العلاج من مرض السرطان الذي لا يفرق بين طفل وبالغ ومسن.

مثل ندى يعاني الطفل مبارك حسن العثاري، ذو الأحد عشر عامًا، من ورم سرطاني خبيث، والد مبارك هو الآخر مصاب بمرض نفسي وعقلي، وذلك بعد تعرضه لحادث سير، حيث تدهورت حالته العقلية، وهو حبيس البيت، ولا يوجد لديهم عائل غير ما يجدونه من مساعدات بعض أهل الخير، وبسبب ظروف الحرب نزحت أسرة مبارك من منطقة حيس إلى الخوخة، ثم إلى عدن، لأجل تلقي العلاج من مرض السرطان.

حال ندى ومبارك هو ذات حال المصابين بالسرطان من الأطفال الذي يزيد عددهم عن ألف طفل، يشكلون 12 في المئة من نحو 11 ألف حالة مريض من أطفال السرطان الذين يعانون بألم، وكم هي معاناة أسرهم المتضاعفة، حينما يروون فلذات أكبادهم يتألمون ولا حول لهم ولا قوة إلا بالله.

يقول الدكتور محمد مجاهد مدير المركز الوطني لعلاج الأورام، بأن مرض السرطان يعد أحد الأسباب الرئيسة لوفاة الأطفال، ويعتمد احتمال بقاء الأطفال المُشخصة حالاتهم بالسرطان على قيد الحياة على البلد الذي يعيش فيه الطفل، ففي البلدان المرتفعة الدخل، يُشفى أكثر من 80 بالمائة من الأطفال المصابين بالسرطان، ولكن في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل كبلدنا اليمن، فقد تتراوح نسبة الشفاء بين 10- 40 بالمائة، مؤكدًا بأن عدد الحالات المصابة بسرطان الأطفال حتى اليوم يصل إلى 1500حالة.

وأضاف: "هناك فرق بين الأمراض السرطانية بين الكبار والصغار، وأنّ الفرق هو أنَّ الكبار يتعرضون لأمراض السرطان التالية: سرطان الرئة، سرطان القولون، سرطان البروستاتا، فيما يخص الأطفال فهم يتعرضون للوكيميا أكثر إصابة تكون باللوكيميا.

الدكتور مجاهد أوضح أن الأسباب المؤدية لمرض السرطان هي العوامل الطبيعية، وأخرى كالتعرض للدخان أو المحروقات التي تتكرر دائمًا، والتي يستعملونها بكثرة الناس مثل الشيبس، والصناعات البلاستيكية، التي يتم استخدامها في الأكل، وبعض الأمراض الوراثية والجينية والتعرض للتدخين .

نظرًا لعدم إمكانية دعم مرضى السرطان بالأدوية من قبل الدولة، يقوم مركز الأورام بمستشفى الصداقة بتوفير جرعات العلاج الكيميائي للأطفال مجانًا، بدعم من أهل الخير، فالسرطان مرض لا يقتصر على البالغين فقط، لكنه يصيب الأطفال أيضًا، وهو مرض يصيب جزء من الجسم، فيتوالد بشكل سريع لخلايا شاذة، تنمو خارج نطاق حدودها المعتادة، لتغزو بعد ذلك أجزاءً مجاورة من الجسم، وتنتشر في أعضاء أخرى منه؛ والتي تكون من أسباب الوفاة، وفقًا لرئيس جمعية مكافحة أورام الأطفال الخيرية - عدن.

إلى ذلك يؤكد الدكتور جمال زين - أستاذ كلية الطب جامعة عدن - استشاري طب الأطفال مركز الأورام وأمراض الدم - رئيس جمعية مكافحة أورام الأطفال الخيرية، ما قاله د. محمد مجاهد على أن الحالات تبلغ حوالي 20-30 حالة يوميًا، كمرتادين على المركز لأخذ العلاج، وإجراء الفحوصات والمتابعة، ومعظم المرضى من الحالات الفقيرة ومن المناطق الريفية.

"يبلغ بالمعاينة عدد الحالات حوالي أربعة إلى ستة آلاف مريض سنويًا، وإذا تحدثنا عن أسباب السرطان إلى الآن هي غير معروفة بشكل دقيق، ولكن هناك بعض العوامل المساعدة على حدوث الأورام، كالعوامل البيئية مثل العدوى الفيروسية، والتعرض للمواد المشعة، والمحاليل الكيماوية، وبعض الأدوية، والأغذية المعلبة والمسرطنة" يقول الدكتور جمال زين.

ينقسم علاج أطفال السرطان إلى قسمين: وهم العلاجي والوقائي: العلاجي يتمثل في التشخيص المبكر، ثم العلاج والرعاية الجيدة للمرضى، وهذا يأتي من خلال وجود مركز متخصص بإمكانيات كافية وجيدة، وكادر كافٍ ومؤهلٍ تأهيلاً ممتازًا، وكذلك مزودًا بأدوات تشخيصية ذات جودة ودقة عالية، إلى جانب اعتماد ميزانية تشغيلية لعمل المركز .

في حين يقول أطباء السرطان: "كلما كان العمل مكتملًا وذو جودة عالية، كلما زادت الرعاية للمرضى وازدادت فرص الناجين من المرضى، والتقليل من أعباء المرض في المجتمع، وذلك بالتزامن مع رفع مستوى الوعي المجتمعي حول مرض السرطان والعوامل المساعدة على حدوثه، وكيفية تجنبها، والحد منه بقدر الإمكان، إضافة إلى تعزيز روح التعاون والتكافل الاجتماعي مع المرضى وأسرهم، لإمكانية الحد من أعباء المرض، ودعم الحكومة والمنظمات لإنشاء مراكز عالية الجودة لعلاج السرطان، وتكفل التشخيص المبكر والدقيق للأطفال المصابين بالسرطان".

وفي السياق ذاته تشير الدكتورة نيار محمد عبدالخالق/ استشارية أمراض الدم وأورام الأطفال بمستشفى الصداقة التعليمي بعدن، أن التشخيص الصحيح أساسيًا لوصف العلاج المناسب لنوع المرض، الذي يشمل العلاجات الكيميائية، الجراحة، وكذلك العلاج الإشعاعي، حيث يحتاج الأطفال إلى اهتمام خاص بنموهم البدني والمعرفي وحالتهم التغذوية، وإتاحة وسائل التشخيص الفعالة والأدوية الأساسية، ومنتجات الدم والعلاج بالإشعاع والتكنولوجيات اللازمة والرعاية النفسية والاجتماعية.

وزادت: "لهذا فإنَّ تأخر التشخيص والعجز عن الحصول على تشخيص دقيق، وبلوغ المرض مرحلة متقدمة، وتعذّر إتاحة العلاج، كل ذلك قد يؤثر سلبـًا على نسبة الشفاء لدى المرضى، وهناك العديد من الأمراض التي يمكن أن تؤدي إلى إصابة الأطفال بالأورام السرطانية، كبعض الطفرات الوراثية المتعلقة بالمرض، وبعض متلازمات الأطفال، بينما أمراض السرطان في البالغين ترجع إلى التلف الخلوي مع تقدم العمر، إذ يتعرض الحمض النووي للخلايا والسموم لسنوات، وذلك ما لا يحدث لدى الأطفال لصغر أعمارهم".

ووفقًا لآخر إحصائية سجلت حديثًا في البلاد، فإن عدد المصابين بالسرطان من الأطفال يصل عددهم لأكثر من ألف طفل مصاب في اليمن، وهم يشكلون 12 في المئة من نحو 11 ألف حالة، بحسب منظمة الصحة العالمية، والتي اعتبرت "أن مرض السرطان أصبح بمثابة حكم الإعدام في اليمن، وذلك بسبب النقص الحاد في الأدوية والعلاجات".

يختلف سرطان الأطفال عن سرطان الكبار، من حيث النوع والموقع في الجسم، إلى جانب الاختلاف في نوع وإجراء الفحوصات والعلاجات، وكذلك الاستجابة للعلاج ، فعدد الناجين من المرض تكون النسبة أفضل من الكبار في بعض أنواع السرطان.

تعود الدكتورة نيار للحديث قائلةً، إن سرطان الأطفال يختلف عن سرطان البالغين في معدل الانتشار، فبينما يعد مرضًا نادرًا لدى الأطفال، هو من أكثر الأمراض انتشارًا لدى البالغين، ففي حين أن الأورام الصلبة هي الأكثر شيوعًا لدى البالغين، يعد سرطان الدم هو الأكثر تهديدًا لحياة المصابين من الأطفال.

فيما يقول الدكتور مجاهد أن اللوكيميا الليمفاوية الحادة من نوع B تأتي في المقام الأول للإصابات بسرطان الأطفال، وتليها أورام الدماغ، بينما تحتل أورام الثدي والبروستاتا والقولون والرئة في المراكز الأولى من الإصابة عند البالغين.

يعد سرطان الأطفال من أكثر الأمراض انتشارًا، وأغلب المرضى مصابون بمرض سرطان الدم (التكسرات)، يليه سرطان الغدد اللمفاوية، ثم سرطان الكلى وسرطان الدماغ، وأيضًا سرطان العضلات والعظام وأخرى مختلفة.

وتذهب د. ماجدة عبدالله غانم، مديرة إدارة التمريض في مركز الأورام للعلاج الكيماوي، إلى القول: "نحن في قسم التمريض مهامنا كبيرة ودورنا أكبر في رعاية المريض، حيث نقوم بتقديم خدمات من الناحية العملية والنفسية، ونحاول بقدر المستطاع أن نعمل على الرغم من الظروف الصعبة لعناية المريض، حسب الإمكانيات المتوافرة في البلاد، حيث يتم إعطاء العلاجات الكيماوية من قبل طاقم التمريض المتخصص في هذا المجال، وتحت رقابة شديدة من كوادر مؤهلة من الموظفين، فعملنا خلال 24 ساعة، ولا توجد لدينا إجازات من حين إلى آخر".

تضيف: "العلاجات متوافرة لدينا، والفحوصات نجريها بالمجان، لكننا نوجه رسالتنا للمنظمات بتوفير الدعم لتأهيل وتدريب الطاقم التمريضي؛ لأنه عنصر هام جدًا في رفع مستوى العمل، ولابد من توفير الإمكانيات للمريض وللتمريض".

وفيما يخص رعاية المرضى، يعود الدكتور محمد مجاهد مدير المركز الوطني لعلاج الأورام للتوضيح قائلًا: "المركز الوطني يقوم بتقديم أعماله خلال 24 ساعة، وتـُقدم الفحوصات وتـُقدم المعاينات للمريض وتـُصرف الأدوية كلها بالمجان، فقط عندما يأتي إلينا المريض نقوم بفتح ملف بـ 500 ريال، وبعد كذا عندما يتهيأ للدخول إلى العيادة بـ 100 ريال فقط، هذا الذي نأخذه من المريض، أما الباقي فمجانـًا".

وعن الدعم المقدم من الحكومة يقول الدكتور مجاهد "طبعًا اعتمدوا في عام 2019م 120 حالة، هذه الحالات الـ 120 خلال شهر، قسمتها وزارة المالية 30 % حافزًا للعمال، و 70 % لشراء الأدوية من السوق المحلي، أما فيما يخص المنظمات فهي تدعمنا في بعض الأصناف في 2020 لكن في عام 2021م الجاري إلى وقتنا الحالي لا توجد أي أدوية تصلنا من الشركات المصنعة لها، لمكافحة هذا المرض الخطير".

وفي سياق ذلك يشير الدكتور جمال زين بأن المركز يقوم بتقديم الرعاية الطبية للمرضى، فإجراء الفحوصات وإعطاء العلاجات والمتابعة المستمرة، هو دور أساسي والجمعية تقدم أيضًا العلاجات والفحوصات، ونقل الدم والصفائح الدموية مجانًا، كما تقوم الجمعية بتقديم الدعم المالي والمساعدة لهم، بالتواصل المباشر مع أهل الخير والداعمين، حيث يتم تسديد ما قيمته 20 - 30 مليون ريال يمني سنويًا إلى كل من صيدلية الحريري، ومستشفى الوالي، وبعض المختبرات لتغطية نفقات العلاج والفحوصات ونقل الصفائح.

يواصل زين: "وضع القطاع الصحي في ظل ظروف البلاد يتوجب علينا التخفيف من تأثيرات هذه الأمراض على الأطفال والأسر الفقيرة لدعمهم ومساندتهم، وهي مسؤولية المجتمع بشكل عام، والسلطة ورجال الأعمال والميسورون في عدن إلى مساندة هذه الشريحة من المجتمع، وذلك للعمل الإنساني في تحقيق أهدافه، في ظل تزايد أعداد المصابين بهذه الأمراض من الأطفال، وهو ما يستلزم حشد الجهود، وتآزرها من قبل جميع القطاعات الحكومية والأهلية ذات العلاقة، وهذه هي رسالتنا للجميع فهل من مجيب ؟!".

أنشئ المركز الوطني لعلاج الأورام- عدن في العام 2013م داخل أحد مرافق مستشفى الصداقة مؤقتًا، ليتم مستقبلاً بناء المركز في المساحة المخصصة له في حرم المستشفى ذاته، وإلى يومنا هذا لم ترفع حجرة واحدة، بينما بنيت ملاعب ومنتزهات" يقول المسؤولون الصحيون بحرقة وألم.

المركز الوحيد الذي يعالج مرضى السرطان في عدن ولحج وأبين يعمل إلى يومنا هذا بدون موازنة تشغيلية بحسب مسؤولين، حيث يضم المركز قسم أورام الكبار والأطفال وتكسرات الدم، ووحدة المناظير، إضافة لذلك يتم تقديم خدمات مجانية أخرى للمرضى.

المسؤولون الصحيون أجمعوا في سياق أحاديثهم لمعدة التقرير، بأن تقديم الخدمات الصحية والرعاية الطبية الكاملة لمرضى السرطان تتطلب "بناء المركز الخاص بأورام السرطان في عدن، إلى جانب بناء مركز إشعاعي، حيث يتوفر هذا الإشعاع في صنعاء فقط دون عدن العاصمة المؤقتة للبلاد كما يزعمون، وكذا اعتماد موازنة تشغيلية للمركز".

أنتج هذا التقرير بإشراف من مؤسسة الصحافة الإنسانية - ضمن مخرجات مشروع تدريبات الصحافة الصحية والطبية – عدن