المضادات الحيوية من أخطاء الأطباء إلى عشوائية الصيادلة وجهل المرضى

2021-07-11

 عدن: رشيد سيف عقلان:
"هات حبة مضاد حيوي قوة 1000" من أكثر الجمل المتعلقة بالصحة تداولًا بين اليمنيين، والتي تقال دون وعي بما ستؤول إليه من تأثيرات، إلى جانب تناول الجرعة زمنيًا بشكل غير منتظم، حيث يقرر الأطباء شرب المضاد كل 8 ساعات، وذلك خلال ثلاث مرات في اليوم الواحد، فيما يتعاطاها الكثيرون بعشوائية مفرطة دون مراعاة الزمن الذي يحدده الطب، بالإضافة إلى تجاهل نوعية المضاد الحيوي الذي يحدده الطبيب، والذي يتعين على المريض تعاطيه، اعتمادًا على مسبب المرض وشدته.
يغيب الوعي فتكثر المخاطر، هكذا تقول كتب المنطق، والعكس حياة أكثر أمانًا لا يدركها أغلبية الناس في اليمن، البلد الذي يمر بمنعرج شائك ووخيم في آن واحد، سياسيًا واقتصاديًا وصحيًا، فمن الناحية الصحية والطبية أصبح اليمن بيئة خصبة للكثير من الأمراض المعدية، وغيرها من الأمراض التي انتشرت في أغلب المدن والأرياف على حد سواء، لكن المعضلة الأشد إيلامًا تكمن في تناول الدواء الخطأ، أو في استخدامه بشكل غير منتظم، لاسيما المضادات الحيوية من قبل عامة الناس، فعلى سبيل المثال لا الحصر تناول المضادات من قبل شريحة كبيرة من اليمنيين دون وصفات أو استشارات طبية أمر يضاعف المخاطر، كزيادة مناعة البكتيريا لهذه المضادات، وجعلها عديمة الفائدة، كما تخفض أداء الجهاز المناعي بحسب منظمة الصحة العالمية، ويعكسها سلبًا على حياة الكثيرين؛ بل ويهددها وفي أغلب الأحيان يسلبها.
وتشير التقديرات أن أكثر من 90 % من أمراض الشتاء ناتجة عن فيروسات، ولا تحتاج إلى مضادات حيوية للعلاج، هذا وتقل حملات التوعية بهذا الجانب، وخاصة في ظل تدهور البنية التحتية للنظام الصحي في بلاد مازال يعاني من الصراع المسلح للعام السابع على التوالي.
التطبيب الذاتي
ومع غياب فرص العمل تضاعفت حالات الناس المادية سوءًا، وأصبح الأغلبية الساحقة منهم عاجزون عن زيارة المراكز الصحية من جهة، ومن جهة أخرى كلفة التشخيص الباهظة في أغلب المشافي، الأمر الذي دفعهم لتناول المضادات الرخيصة من الصيدليات دون الحاجة للطبيب.
ويلجأ الكثير من اليمنيين إلى استخدام الأدوية، ومن ضمنها المضادات الحيوية بشكل عشوائي، بمجرد شعورهم بأعراض بعض الأمراض، وخاصة أمراض الشتاء المتمثلة بنزلات البرد والزكام والكحة وغيرها، دون وصفة طبية وبلا إدراك بمخاطر الاستخدام العشوائي للأدوية بشكل عام، إذ تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 24.3 مليون شخص في عام 2020 كانوا "معرضين لخطر " الجوع والمرض، ومنهم حوالي 14.4 مليون شخص بحاجة ماسة إلى المساعدة.
عبدالله (24 عامًا) يعمل سائق دراجة نارية بتعز، تعرضت قدمه اليمنى قبل عام ونيف لحادث سير، بينما كان عائدًا إلى قريته جنوبي المدينة،" تضررت قدمي اليمنى من الحادث، وحصل تمزق للعضلات والأنسجة "التهاب " بالبداية كنت أعالجه على أنه كسر، وبعدين حاولت بالعسل والمضادات الحيوية، بس كل يوم والوجع يزيد، وقدمي ينتفخ لمدة شهر "، هكذا سرد لي عبدالله الفصل الأول من معاناته، مشيرًا أنه لم يزر أي مستشفى، معتقدًا أن الإصابة طفيفة، ولا تستحق الخسارة التي تطلبها ورشات المدينة (المستشفيات) ومهندسيها حسب وصفه لهم.
ومع تزايد مضاعفات الإصابة، وعدم استجابة الجسم للمضادات الحيوية نوع (سفتريكسون قوة 1000 ملج)، دون مجارحة بدأ عبدالله يشعر بالحسرة حيال قدمه، وقرر يكشف عنها في مستشفى الثورة، ولم يكن يعرف أن استخدامه العشوائي للمضاد منح البكتيريا المسببة للالتهاب مناعة ضد أي مضادات حيوية بنفس القوة أو أقل بحسب الدكتور أحمد سلطان، فعند وصوله رفض الأطباء إجراء العملية لقدمه، وذلك بسبب الالتهاب، يواصل حديثه لـ "الأيام " كنت قد جمعت مبلغ العملية 300 ألف ريال، لكن الأطباء في مستشفى الثورة رفضوا، بسبب التهاب الجرح ومنعوني من المضادات لفترة؛ لأن كل المضادات التي تناولتها لم تعطِ نتيجة إيجابية، وحتى أن الجسم فقد مناعته بسببها " في هذا التوقيت الحرج من وضع عبدالله الصحي كانت الأعصاب المتصلة بإحدى أصابع القدم قد تمزقت، حيث اضطر الأطباء لبترها خشية أن ينتقل الالتهاب إلى عظام الساق بالكامل، ولم يكن عبدالله إلا واحدًا من مئات اليمنيين الذين تدهورت حالتهم الصحية نتيجة التطبيب الذاتي.
الجرعة الخطأ
يقول الدكتور فكري دريب "باحث وخبير في الصحة العامة الدولية جامعة هايدلبرج، وجامعة أكون للعلوم التطبيقية ألمانيا، ورئيس مجموعة الصحة العامة في مبادرة أطباء المهجر لـ "الأيام"، طبعًا مسألة صرف المضادات الحيوية بشكل عشوائي مش خاصة باليمن، ولكن المشكلة العصية في اليمن غياب رصد المضادات، كما تجد أنه يتم استخدام المضادات من البداية بشكل قوي، كمضاد ستفريكسون (الجيل الثالث)، وهو يستخدم في حالات مستعصية وليس في كل الحالات.
وبحسب صيدليات المدينة تعتبر المضادات الحيوية من أكثر الأدوية التي تصرف، كما أنها الوصفة الأكثر عمومية في وصفات الأطباء، وعلى الرغم من هذا ليست علاجًا لجميع الأمراض بحسب الجمعية الألمانية للطب الباطني.
ويعلق دريب حول هذه المعضلة: "بالنسبة لتوفير الأدوية وترشيد استخدامها وبشكل رئيس المضادات الحيوية مهم جدًا في أي نظام صحي، لأنه ركيزة أساسية، وإذا صرفت بشكل عشوائي وغير مرشد فإنها تسبب أزمة في توفر الأدوية للمرضى، وبنفس الوقت تسبب اختلال للاقتصاد الوطني، حتى لو الناس تشتريها من الدخل الخاص، ولكن في الأخير يتم استهلاكها وهي غير ضرورية.
ويرى دريب أن هناك ثلاث مستويات لمناقشة الاستخدام العشوائي للأدوية: الأول سياسات النظام الصحي في البلد، مقدمو الخدمة، المجتمع حيث تكمن مهمة الأول في رسم سياسات واضحة من وزارة الصحة بالأدوية التي لازم تستخدم في اليمن، ولمن تستخدم، كما يتم منع استيراد أي أدوية غير ضرورية، ويشير أن الوزارة لديها دليل الأدوية الأساسية، ولكن ثمة من يستورد أدوية دون الرجوع للدليل، إلى جانب ضرورة تحديد الشركات والدول التي يمكن الاستيراد منها، وهذه نقطة لازم تكون على مستوى السياسات التي تتحكم بها الحكومة.
ويواصل حديثه لـ "الأيام " يجب أن يكون هناك وصف وظيفي لكل مقدم الخدمة، وصلاحياته في صرف الأدوية، مثلًا الطبيب العام يمنع من صرف أدوية من المستوى الثالث، ويركز دريب على مستوى الرعاية الصحية الأولية "الممرضين " وخاصة في ظل غياب الأطباء، من الضروري منعهم من صرف أي أدوية غير التي يصفها الأطباء، إلى جانب ضبط الصيدليات، بالالتزام بصرف الأدوية حسب الوصفات التي يكتبها الطبيب المختص .
ويلخص دريب المستوى الثالث المتمثل بالمجتمع لـ "الأيام" لازم يعي المجتمع تمامًا أن الاستخدام العشوائي للمضادات هو مشكلة تؤثر عليه من الناحية الاقتصادية؛ لأنه يشتري أدوية غير مفيدة، ومن أخرى تتفاقم حالته الصحية لذا يجب الرجوع للطبيب أو المختص.
ماذا عن النساء الحوامل والأطفال؟
وتتفاوت نسبة المخاطر بحسب النوع الاجتماعي والعمر والحالة الصحية، حيث أن تأثيرات الاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية على النساء، ومنهن الحوامل والمرضعات على وجه التحديد فإن خطرها يزيد حدة.
وكانت الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية قد سعت لمقاومة المضادات الحيوية، وذلك عبر شن حملات توعوية تلخص مخاطر التعاطي العشوائي للمضادات، أبرزها أنها تكسب البكتيريا مقاومة ضد المضاد الحيوي، وهذا الأمر خطير جدًا، ولا يمكن الاستهانة به، إذ أنه بمرور الزمن سوف تفقد المضادات الحيوية فاعليتها، وتنتشر الأمراض الجرثومية من جديد. كما أنه يزيد من كلفة العلاج للمريض أي أن المضاد الحيوي لن يكون فعال في القضاء على المرض، ولذا فأن المريض سيلجأ إلى استخدام العديد من الأدوية دون أي فايدة.
بالإضافة استنتج عنه مضاعفات جانبية أو خفيفة أو شديدة من أهمها: حدوث حالات الإسهال والحساسية الشديدة التي قد تؤدي إلى الوفاة في بعض الأحيان، وبالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام المرأة الحامل لبعض المضادات الحيوية، وخصوصًا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل قد يسبب أضرار شديدة على الجنين.
وتعتبر مقاومة مضادات الميكروبات واحدة من أكثر التحديات الصحية العالمية تعقيدًا في عالمنا اليوم، هذا وتحذر منظمة الصحة العالمية من تدني الوعي بالاستخدام الصحيح للمضادات الحيوية، كونها أصبحت خطرًا يهدد الصحة العامة لشعوب العالم، وتحديًا كبيرًا سيواجه صناع السياسات الصحية في الفترة المقبلة، مالم يتم اتخاذ إجراءات فاعلة في هذا الاتجاه.
وحذرت منظمة الصحة العالمية بأن مقاومة المضادات الحيوية لا تقل خطورة عن جائحة كورونا، وتهدد التقدم الطبي الذي أحرزه العالم على مدى قرن.
وأضافت المنظمة أن مقاومة المضادات الحيوية تهدد الأمن الغذائي والتطور الاقتصادي وقدرة العالم على محاربة الأمراض.
وفي بيان صادر عن الاتحاد الدولي لمصنعي الأدوية ذكر أن "نحو 700 ألف شخص يموتون كل عام على مستوى العالم بسبب مقاومة المضادات الحيوية، وبدون اتخاذ إجراءات قوية لضمان الاستخدام المناسب للمضادات الحيوية الموجودة، بالإضافة إلى استحداث علاجات جديدة أفضل، قد يرتفع هذا الرقم إلى 10 ملايين بحلول عام 2050".
وأكدت مديرة مكتب منظمة الصحة العالمية في عدن، نهى محمود لـ " الأيام" منظمة الصحة لا تملك أي بيانات عن هذا الموضوع في اليمن حيث لا توجد دراسات "
وتعتبر مقاومة مضادات الميكروبات واحدة من أكثر التحديات الصحية العالمية تعقيدًا في عالمنا اليوم هذا وتحذر منظمة الصحة العالمية من تدني الوعي بالاستخدام الصحيح للمضادات الحيوية، كونها أصبحت خطرًا يهدد الصحة العامة لشعوب العالم وتحديًا كبيرًا سيواجه صناع السياسات الصحية في الفترة المقبلة مالم يتم اتخاذ إجراءات فاعلة في هذا الاتجاه.
ووفقًا لمراكز السيطرة الدولية على الأمراض والوقاية منها فإن ما يقرب ثلث أو نصف المضادات الحيوية في البشر غير ضروري أو غير مناسب.
وتحدث 2 مليون عدوى تقريبًا من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية في الولايات المتحدة سنويا، مما يتسبب في 23،000 حالة وفاة فما بالك في بلد
كاليمن يعيش أسوأ أزمة إنسانية بحسب منظمات المجتمع الدولي والصحة العالمية؟
وبالنسبة للأطفال يؤدي استخدام المضادات الحيوية بكثرة، ودون تشخيص إلى التغطية على أمراض أخرى عند الأطفال، مثل الحمى الشوكية، وتغيير الصورة المرضية لهذا المرض، وتسبب زيادة الوزن عن الوزن الطبيعي، حيث أثبتت الدراسات والأبحاث أنّ إعطاء الأطفال للمضادات الحيوية بسن مبكرة (قبل السنتين) وبكثرة، يزيد من خطر إصابتهم بالبدانة، بسبب التغييرات التي تحدثها المضادات الحيوية على الأمعاء الدقيقة.
وفي الأسبوع العالمي للتوعية بالمضادات الحيوية، والذي يعقد في شهر نوفمبر من كل عام تضمنت رسائل منظمة الصحة العالمية نصائح وتوجيهات عن دور التطعيم في منع العدوى، وتخفيف انتشار مقاومة المضادات الحيوية، كما أن نظافة الفم والنظافة الصحيحة للأيدي تمنع انتشار العدوى، وتقلل من الحاجة لاستخدام المضادات الحيوية، واستشارة الطبيب قبل البدء بأي مضاد، وتجنب العلاج الذاتي للمشاركة في الحد من مقاومة مضادات الميكروبات.
ويعتقد بعض الناس أن كثرة الأدوية ستخفف من الآلام التي يعانيها، لذا يتجاهل الأغلبية وصفات الأطباء، وخاصة المزارعين والفئة غير المتعلمة، وبعض النساء أيضًا، معتقدين أنه كلما زادت كمية العلاجات كلما زاد نفعها، وهذا انطباع الفئة المهمشة في المجتمع اليمني، كما أن الأطباء يتماشوا مع رغبات المجتمع دون محاولة منهم لتوعية الناس بأنه سلوك صحي خاطئ.
أنتج هذا التقرير بإشراف من مؤسسة الصحافة الإنسانية - ضمن مخرجات مشروع تدريبات الصحافة الصحية والطبية – عدن.