أثيوبي يروي أهوال رحلته من الحبشة إلى اليمن أملًا في الوصول إلى السعودية
2021-08-07
عدن:ماهر البرشاء
مع إشراقة كل صباح يستيقظ الشاب محمد عبد الرحمن (ذو العشرين ربيعًا) - من قرية "جارسو" غربي جمهورية أثيوبيا - ويشاهد بزوغ الشمس بتمعن وتأمل والأمل يحدوه بأن يكون يومه يومًا مبشرًا بتحقيق أحلامه وآماله التي يطمح أن ينالها، بعد أن عاش سنوات طوال وهو يعاني من شظف العيش، ويكابد آلامه بحزن شديد ..
ظل محمد يكابد الآمه منذ أكثر من عقد من الزمان، وهو يرى الناس في قريته يتكففون فتات الخبز ليسدوا به رمق جوعهم، لاسيما وأن جميع أهل قريته "جارسو" أناسًا معدمين، يعيشون تحت خط الفقر، ولا يجدون قوت يومهم، فيضطرون في أحايين كثيرة إلى أكل الجراد كوجبة أساسية، لمواجهة متاعب الحياة في البحث عن لقمة عيش تغنيهم عن حياة الذل والهوان والاستجداء من الآخرين.
*رؤيا السفر*
وذات ليلة ظلماء أرخت بسدول ليلها الحالك السواد على محمد بجبال من الهموم التي ضاق بها صدره، وبينما كان محمد غارقًا في نومه بعمق رأى أباه وأمه وأفراد أسرته ووجوههم شاحبة يكسو محياها الحزن والأسى، وأجسادهم نحيلة لم يتبق منها سوى هياكل عظمية، وشعر حينها بالقهر وهو يرى هذا المنظر المخيف في منامه، كأنه حقيقة ملموسة، ورأى نفسه حاملًا شنطة سفر، وبدلة سفاري ورقبته ملفوفة برباط عنق "كرفتة" جميلة، وتبدلت أمام ناظريه فجأة تلك الوجوه الشاحبة، والأجساد النحيلة إلى أجساد يملؤها اللحم والعظام، وتبدو عليها الصحة والحيوية والنشاط، ورأى وجوها تملأ محياها الابتسامة والفرحة، وفجأة سمع صوت أمه مع ساعات الفجر الأولى وهي توقظه من منامه ليؤدي صلاة الفجر، فانقطعت رؤياه وعاد شريط حلمه.
هداه تأويل رؤياه إلى أن عليه السفر لينقذ أسرته، ويضمن له ولهم حياة كريمة تغنيه عن بشاعة المنظر الذي رآه في رؤياه، وبعدها قرر محمد السفر وأن يكون رجلًا بالاعتماد على نفسه، خارجًا من مسقط رأسه جارسو، متوجهًا صوب المملكة العربية السعودية، لعله يجد فيها ما يسد جوع أسرته.
*أهوال الهجرة*
وبدأت ظهر اليوم نفسه رحلة سفر محمد من قريته جارسو غربي أثيوبيا برًا بسيارة متهالكة كانت ليست بأسوأ حال من حالته باتجاه جيبوتي التي وصلها بعد عناء ومشقة لوعورة الطريق، وبدأ بعدها رحلة عبر البحر، وبالكاد استطاع محمد دفع ما طلبه منه المهربون، وخلال الرحلة رأى محمد أهوال من الخوف والقلق مع بقية المهاجرين من دول القرن الأفريقي وغالبيتهم من قريته.
عاش محمد خلال الرحلة لحظات الموت مرات ومرات، وهو يضع أصابع يده اليمنى على خديه في لحظات شرود في التفكير، يستعيد خلاله شريط ذكريات أهل قريته ممن سبق أن سافروا مع المهربين عبر البحر، وتذكر قصص من تم رميهم من قبل المهربين المسلحين في أعماق البحر من زوارق التهريب، وتذكر حالات تصفية المهاجرين وتهديدهم بسلاح المهربين وابتزازهم ونهب ما يملكونه من أموال.
*الوصول إلى عدن*
وصل محمد إلى الشريط الساحلي لبحر العرب، وانتقل مشيًا على الأقدام للعاصمة عدن التي مكث فيها فترة وجيزة من الزمن، وتوجه بعدها إلى السعودية.
*الطريق إلى السعودية*
وصول محمد إلى السعودية لم يكن سهلًا، فقد كان عن طريق اليمن، فعندما وصل محمد العاصمة عدن انتظر شهرين عند صديق له، ثم سافر بطريقة غير قانونية صوب المملكة العربية السعودية، ليجد فيها عملًا مناسبًا لصغر سنه، وهو ترتيب أطباق البيض في إحدى الشركات الكبرى بالمملكة العربية السعودية.
*العمل في المملكة*
يحكي محمد وهو مسترخٍ على فراش نومه قصته بعد وصوله للسعودية، وقال : " كنت أتقاضى نهاية كل شهر 1500ريال سعودي، وكانت تفي بالغرض، وكنت أرسل منه لوالدي وإخوتي، لعلي أسعدهم بهذا الفتات الذي أعمل ليل نهار لأجله، ولكي يسدون رمق جوعهم، ولكن فرحتي بهذا العمل لم تستمر سوى 7 أشهر".
*الترحيل*
يضيف محمد: "في ليلة وأنا خارج من مقر عملي، صادفتني إحدى دوريات شرطة الرياض، لتقوم بإلقاء القبض علي، والزج بي في السجن ليومين متتاليين، وفي اليوم الثالث كانت الصدمة الكبرى التي دفنت أحلامي هي طائرة كانت تنتظري لتعود بي إلى وطني الأم أثيوبيا.
يستمر محمد في حكاية قصته المشوقة والمؤلمة والحسرة تحيط به يمنة ويسرة وذات الشمال وذات الجنوب ومن كل ناحية فاغرورقت عيناه بالدمع في محاجرها.
*العودة إلى عدن*
عزيمة محمد وإرادته لم تجعله يستسلم، فقرر الاستمرار في تحقيق هدفه، ولم يكن متوقعًا أن رحلته القادمة ستكون محفوفة بالمخاطر، وقد تودي بحياته للجحيم بعد إصراره على العودة.
عاود محمد رحلته الثانية انطلاقًا من أثيوبيا، وصولًا إلى عدن، ليتحرك على إثرها نحو منطقة رداع، ومن رداع كان محمد على يقين تام أنه سيكمل طريقه صوب المملكة العربية السعودية مرةً أخرى، ليجد لقمة عيش وشربة ماء تكفيه وأسرته من التسول أو استجداء الآخرين.
*الوقوع في يد الحوثيين*
مصاعب الحياة هذه المرة كانت لمحمد بالمرصاد، فقد جعلت منه فريسة سهلة بأيدي مليشيات الحوثي الإرهابية المسلحة، التي انقلبت على شرعية الرئيس هادي، حيث ألقي القبض عليه، وتم ترحيله نحو صنعاء وسجنه خمسة أيام دون ماء أو طعام، وكانت أيامًا صعبة على محمد ذي العشرين عامًا، جعلته يتراجع هذه المرة ويقرر أن يستقر في عدن بعد خروجه من السجن، لعله يجد فيها ما يبحث عنه. كانت الليلة السادسة مظلمة على محمد عصر خلالها الجوع أمعاءه والعطش الذي كاد أن يقتله، فإذا به يسمع صوتًا قادمًا نحو بوابة السجن، كان أحدهم يخاطب الحارس: "عليك أن تأخذهم إلى الخارج وتقتلهم فهم لن يفيدوننا".
أيقن محمد في تلك الليلة أن أحلامه وحياته قد تذهب في مهب الرياح بضغطة على الزناد، بعد أن عُصبت عيونهم، لكن مقادير الله أبت إلا أن ترافق محمد حتى يستكمل حلمه، فمع بزوغ الشمس من أعلى مشارف محافظة تعز، تم إطلاق سراح محمد وكل من كانوا معه في السجن، حتى يكمل ما جاء لأجله.
*العودة إلى عدن مجددًا*
بعد إطلاق سراحه صعد محمد متن سيارة نوع باص من محافظة تعز، بعد حصوله على بعض الطعام والماء من المواطنين، التي كانت كفيلة بأن جعلته يغني بصوت عال والسعادة تملأ قلبه البريء المفعم بالحماس، ولسان حاله يقول: "هذه المرة لن أخرج من عدن أبدًا، سأبحث عن عمل بأي طريقة".
استقرت حالة محمد في عدن ووجد عملًا وحياة كريمة وآمنة، وما قصة محمد إلا نموذجًا لقصص آلاف المهاجرين من دول القرن الأفريقي، الذين يستجيرون من الرمضاء بالنار.
*تدفق كبير للمهاجرين*
يرى الخبير اليمني في قضايا الهجرة واللجوء، المحامي جمال أن هناك تدفقًا كبيرًا من المهاجرين من شواطئ الصومال والقرن الأفريقي، وأن هناك أعدادًا أخرى يجري توجههم إلى عدن ولحج.
وأكد الجعبي أن المهاجرين الأفارقة بحكم الجوار الجغرافي هم أكثر الفئات وصولًا إلى الأراضي اليمنية، ونظرًا لامتداد السواحل اليمنية، فإن اليمن تعتبر من البلدان المفتوحة وليست المغلقة، ولذلك تشهد حالة تدفق عالية، وتسمى المختلطة، أي أن الواصلين إلى الشواطئ يتكونون من خليط بين مهاجرين غير شرعيين وطالبي لجوء.
وأضاف الجعبي أن توفير الحماية للمهاجرين يجب أن تكون مهمة سلطات الأمن، ويجب معالجة ملفهم الذي يحتاج إلى شراكة بين سلطات الأمن في الدولة والمجتمع الدولي.
*فرار من الانتهاكات*
وفي تقرير أصدره المرصد الأور متوسطي ومنظمة سام لحقوق الإنسان قال المرصد إن اليمـن تحول إلـى ممـر وطريـق للمهاجريـن مـن أفريقيـا إلـى السـعودية، عبـر رحلـة طويلـة وقاســية محفوفــة بالمخاطــر، ومواجهــة الانتهــاكات الجســيمة مــن مختلــف الأطــراف.
ووفقًا للتقرير فقد وصل أكثـر مـن 337 ألـف مهاجـر ولاجـئ عام 2010 إلى السـاحل اليمنـي علـى البحـر الأحمـر وخليـج عـدن، وزادت ثـم انحسـرت مـرة أخـرى فـي يوليو 2013، بسـبب حملة السـعودية على العمـال المهاجرين غيـر الشـرعيين، ثـم زاد العـدد مـرة أخـرى فـي مـارس 2014، واسـتمر سـنويًا بأعـداد تقدر بعشـرات الآلاف.
ومـن بيـن العمـال المهاجريـن فـي السـعودية -الذيـن جـاوز عددهـم 10 مليـون عامـل- أكثـر مـن 500 ألـف عامـل إثيوبـي، وفـد الكثيـر منهـم بشـكل غيـر رسـمي إلـى السـعودية مـرورًا باليمـن.
وأوضح المرصد أنه على الرغـم من أن العوامـل الاقتصادية هـي الدافـع الأبـرز للهجـرة مـن إثيوبيـا وعمـوم أفريقيـا؛ إلا أن هنـاك أعـدادًا لا يسـتهان بهـا تفـر مـن انتهـاكات خطيـرة لحقـوق الإنسـان ارتكبتهـا حكوماتهـم.
(أنتج هذا التقرير بإشراف من مؤسسة الصحافة الإنسانية – ضمن مخرجات مشروع تدريبات الصحافة الإنسانية – يوليو 2021).