كيف حولت الفائزتان في حضرموت المحنة إلى منحة؟
2021-08-17
المكلا:هناء النهدي
لم تأبه "فايزة أحمد باكيلي" بكل الظروف والتحديات التي مرت بها في زمن الكورونا، بل استطاعت الخروج أقوى، وكانت أزمةُ كوفيد-19 جسرَ عبورٍ انطلقت من خلاله لتكون امرأة مختلفة.
"بدأت من الصفر مثلي مثل أي سيدة تنشئ مشروعها الخاص "فوليت للتزيين" وكان مركزًا متخصصًا لتزيين الكوشات، وعمل مسكات للعرائس، وصالون تجميل متخصص للتدريب في هذا المجال" تقول فايزة باكيلي.
وزادت: وضعت كل ما أملك لهذا المركز، وقمت على عمل حملة إعلانية وترويجية، لتعريف الزبائن بي وبعملي وموقعي، ولم يكن ذلك بالعمل السهل، بل استغرق وقتًا وأشهرًا، أسست فيه قاعدة من الزبائن ولله الحمد، وأصبحت معروفة لدى الناس والنساء بشكل خاص، حتى أن عملي توسع، واستقطبت عاملات للعمل لدي، تلقيت كثيرًا من الطلبات من العرائس وبدأت بالعمل الفعلي لهن.
ألم وحسرة
وأردفت: بدأت المحنة التي طالت العالم بأسره ولم تنجوا منها محافظة حضرموت. كانت سنة صعبة بالنسبة لي، توقف عملي نهائيًا، وتراكمت علي الديون، وحتى الزبائن الذين كانت أعمالهم جاهزة، رفضوا الدفع بسبب تأجيل الأعراس.
"أصبت بالحسرة، وأنا أرى كل ما وضعته في هذا المشروع يذهب أمام عيني دون أي حلول، طالبني صاحب الشقة بدفع الإيجار، ولم أقف مكتوفة اليدين؛ بل طرقت كل الأبواب. لأحصل على من يضمني لدى صاحب الشقة، ولكن دون جدوى سُدت كل الأبواب في وجهي" تضيف باكيلي.
تواصل: كانت تأتي بعض العميلات التي كنت أتعامل معهن باتخاذ الإجراءات الاحترازية، ولكن عددهن كان قليلًا جدًا، لم أستطع أن أدفع رواتب للعاملات، حتى اضطررت لبيع كل ما أملك وتسديد ديون الإيجار التي تراكمت علي وغيرها من الديون، وقمت بإقفال المركز.
من عمق المحنة
تشير باكيلي: "فكرت كثيرًا أن أبدأ العمل من المنزل، وأن أوصل خبرتي للفتيات الأخريات، فبعد انتهاء هذه المحنة لجئت إلى تطوير نفسي وخضت عدة دورات، حتى حصلت على الرخصة الدولية للتدريب، الحمد لله اليوم أقوم بتدريب وتأهيل الفتيات في مجال التزيين، وأقوم بدورات تدريبية في مجال صناعة الورود والإكسسوارات من الأصداف، وأعطي دورات في التشجير المنزلي وغيرها ".
وتقول باكيلي:"من الدورات التي تفيد الفتيات في اليمن، إنشاء بازارات تسوقُ فيه الفتيات أعمالهن، أغلب الدورات التدريبية مجانية، وعدت للعمل في التزيين؛ ولكن من المنزل، إذ تتصل بي الكثيرات من العميلات الراغبات في العودة للمركز، ولكني أخبرهن دائمًا أني قمت بإغلاق المركز" .
بفخر واعتزاز وابتسامة عريضة تضيف فايزة: اليوم أنا سعيدة جدًا؛ لأن تلك المحنة صنعت مني قصة نجاح جديدة، ولا اكتفي بذلك، إلا وأن تجد كل فتاة حرفة في يدها تجابه بها صراعات الحياة المختلفة.
رأي حكومي
وتذهب نور سالم المرشدي مديرة إدارة المرأة في مكتب صناعة وتجارة حضرموت إلى القول: دورنا في المكتب أن نسهل للنساء استخراج سجل تجاري ليساعدها ذلك في ممارسة عملها بطريقة رسمية، إذ تأتي النساء إلينا ونطلب منهن صورًا شخصية وصورة من عقد المقر، كذلك أقوم شخصيًا بمتابعة السيدة للتأكد من أن المشروع ليس مشروعًا وهميًا.
وأضافت: نحن نساعد مالكات المشاريع الصغيرة مثل فايزة، ونعفيها وغيرها من استخراج رخصة من إدارة البلدية، وفي غضون عدة ساعات تحصل على السجل التجاري، إضافة إلى بطاقة عضوية في الغرفة التجارية من قسم سيدات الأعمال، كوننا لدينا شراكة مع الغرفة التجارية، ونقوم بدور الإشراف على الغرفة التجارية.
تؤكد المرشدي: لم نتوقف عن العمل نهائيًا في ظل كورونا، وكنا بمثابة الموجه للنساء والمرشد لهن، وعملنا عدة دورات في السلامة المهنية، والتعامل مع أزمة كورونا، وزارنا وفد من وزارة الصحة العامة والسكان، لزيادة التوعية، وكنا ولازلنا نقوم بدعم النساء، ونتواجد دائمًا حيث تتواجد المرأة، كما نعمل على التشبيك لهن مع المنظمات الداعمة ونتابع المنح التي تقدم لسيدات الأعمال، سواءً كانت صاحبة مشروع قائم، أو سيدة ترغب في إقامة مشروع وتحصل على قروض، تساعدها في إنشاء مشروعها الخاص.
ونصحت مديرة إدارة المرأة في مكتب صناعة وتجارة حضرموت: سيدات الأعمال بضرورة الاهتمام بالسجل التجاري، إذ تتحصل السيدة التي تمتلك سجلًا تجاريًا على الأولوية في الحصول على تلك المنح.
باتت "فايزة سالم باني"، هي الأخرى اليوم، عضوة فاعلة في مؤسسات المجتمع المدني، وصاحبة مؤسسة الغد التنموية، ونجحت في تحويل محنة كورونا إلى منحة حقيقية خدمت بها حضرموت ساحلًا وواديًا، ووصلت بها إلى محافظات عدن، مأرب، المهرة وشبوة.
نظرة بؤس
تقول باني كنت أفكر دائمًا في الأسر محدودي الدخل، وفي النازحين من المحافظات غير المحررة، كما فكرت كثيرًا في المتضررين النازحين من المملكة العربية السعودية، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء عمل يخدم هذه الشرائح من النساء، فقمت بتدريب عدد لا بأس به، في مجال الخياطة، وخضت معهن فترة ثلاثة أشهر مكثفة من التدريب والتجهيز والإنشاء، وكانت الدورات على حساب المشغل الخاص، ويصرف لهن بدل مواصلات وحوافز بسيطة، حتى أصبحن قادرات على الخروج لسوق العمل.
تقول باني: قمت بإنشاء مشغل الغد للخياطة، ودشنت المشغل رسميًا في شهر مارس تزامنًا مع اليوم العالمي للمرأة، للعام الماضي، وبعد افتتاح المشغل بشهرين بدأ الحظر في حضرموت في شهر مايو 2020، مضيفةً كنت لا أنام، ويصارعني التفكير في هذا المشروع، وماهي الحلول البديلة التي بيدي، هل أقوم بإغلاق المشغل، أم ماذا أفعل؟
انبثاق بادرة أمل
وأردفت: في يوم وأنا أصارع أفكاري تواصل معي الأخ والأستاذ "فهد باعشن" مدير مؤسسة حضرموت للاختراع، قائلًا لي: أستاذة فايزة، العالم يغلق أبوابه في وجهنا، ونحن نواجه محنة كبيرة، ما مدى قدرة المشغل وقدرتك أنت شخصيًا، على تصميم بدل كورونا، بدأت أفكر حينها كيف هو زي كورونا، وطرحت الفكرة على ابنتي التي كانت مهتمة بمجال الفضاء، وأفادتني بأن بدلة كورونا، هي نفس تصميم ملابس رواد الفضاء، وأخرجت لي من النت صورة وتصميمًا لذلك، وبدأنا العمل فعليًا بالتفصيل، ولكن؟ واجهتنا مشكلة، وهي خامة القماش، إلى أن توصلنا إلى قماش ثقيل لا يستطيع السائل النفوذ عبره، وفعلًا قمنا بتنفيذ العمل ونجحنا.
موارد عمل
وتواصل: "خلال شهر واحد أصبح عدد العاملات خمسين عاملة، بعد أن كنَّ ست عاملات، وحولنا المعهد المهني مقرًا لصناعة الكمامات، والمشغل جعلناه فقط لخياطة وتفصيل البدلات. وبعد أن كسبنا ثقة السلطة المحلية، إذ غطينا محافظة حضرموت بعدد 125 بدلة، أرسلنا بعدها إلى محافظة عدن 260 بدلة، وكنا نرسل ذلك بزوارق بحرية، بسبب الحظر وإغلاق المنافذ، بعدها غطينا الكثير من المحافظات كمحافظة المهرة 115، وشبوة 65 بدلة، ومأرب 85 بدلة، واستطعنا نكسب ثقة محافظة مأرب، إذ نحن اليوم نفصل لجميع مستشفيات مأرب، الزي الطبي" .
تسترسل فايزة: لتخبرنا أن دعوة الوالدين وتوفيق الله لها، إضافة إلى نشاطها الخيري في منظمات المجتمع المدني خدمها كثيرًا، اليوم في حضرموت يوجد 25 مشغلًا، ولكن يتفرد مشغل الغد بسمعته الطيبة وثقة الزبون، كذلك التغطيات الإعلامية خدمت مشغل الغد، إذ برز المشغل ونشط في عز احتياج المجتمع وفي قوة أزمة كورونا.
اليوم تتطلع "باني" إلى الوصول لإنشاء مراكز متعددة تخدم النساء وتقدم لهن الكثير من الخدمات، كما تتمنى من النساء أن يتكاتفن ليكن يدًا واحدة تتغلب على كل الظروف، وتصب قدراتهن وإبداعهن لخدمة حضرموت خاصة، وباقي محافظات اليمن عامة.
طموح يتعدى الحدود
"أنا راضية لما وصلت له اليوم" والمشغل يصدر لخارج حضرموت، إلى كينيا وعُمان وتطلعاتنا كبيرة، وقريبًا سننشئ أول تطبيق عبر الجوال ويعتبر التطبيق الأول من نوعه في حضرموت يخدم المرأة ويلبي احتياجاتها، وهي داخل بيتها، إنه "تطبيق الغد.. النجاح الآخر المنتظر" تقول فائزة باني.
الفائزتان حولتا المحنة إلى منحة، وصارت اليوم قصة نجاح ونموذج مشرف، للمرأة الحضرمية، تحكي قصتهن لجميع للنساء في اليمن، ولسان حالهن "المرأة نصف المجتمع وفي خدمته دومًا"، على الرغم من الظروف والتحديات الصعبة التي تمر بها البلاد اليوم.
(تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH /JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا)