شحة المياه في الصلو بتعز.. جرس إنذار لجفاف مروع

2021-09-08

تقرير/ ياسمين الصلوي
 "في أغلب قرى المديرية يتسابق الأهالي على المياه مما يؤدي إلى حصول نزاعات شديدة تصل إلى استخدام العنف من أجل للحصول على المياه، قبل سنوات حدثت مشاجرة بين بعض الأفراد عند عين في ظهر الجبل، من أجل جالون ماء، مما أدى إلى سقوطهم من جوار العين إلى الضاحة وموتهم، تقول وداد الصلوي وهي ناشطة في مجال الصحة في المديرية.
ومن بين ألاف الفتيات الاتي يواجهن مشكلة جلب المياه من مناطق بعيدة، لاسيما في فصل الشتاء الذي تقل فيه الأمطار، وتضيف "أقدمت بعض الأسر على حرمان بناتها من التعليم من أجل توفير المياه، ناهيك عن الأضرار الصحية التي قد تؤثر على صحتهن مستقبلًا، نتيجة حمل كمية كبيرة من المياه على رؤوسهن من مسافات بعيدة.
أزمة مياه تحاصر المديرية
وحدها أضواء مصابيح الكيروسين التي يحملها القرويون في شعاب وأودية وقرى مديرية الصلو باحثين عن مياه في ساعات الليل الحالك كفيلة بنقل حجم المعاناة التي يتكبدها السكان جراء شحة المياه.
يشكو سكان مديرية "الصلو" من أزمة مياه خانقة، لا سيما في السنوات الأخيرة التي قلَّت فيها الأمطار التي تغذي الآبار الجوفية والعيون بشكل عام، ما أدى إلى تراجع عيون مياهها ونضوب بعضها، وهو ما ينذر بحدوث جفاف غير مسبوق في المديرية، خصوصًا أن المياه الجوفية والعيون مصدر السكان الوحيد في الحصول على المياه.
لا زالت نبيلة عبد الحفيظ(33 عامًا) وعلى الرغم من مرور ثلاثة أعوام، تتذكر معاناة أسرتها التي نزحت من مدينة الحديدة عند اشتعال المعارك في أطراف المدينة في العام 2018 إلى منزلهم في إحدى قرى مديرية الصلو، فتقول" عدنا إلى الحديدة على الرغم من استمرار الحرب بعد أن رأيناها أخف وطأة من حرب الحصول على الماء و الموت عطشا.
وقد قلَّ منسوب مياه الآبار والعيون ما دفع السكان للخروج من منازلهم ومعهم دوابهم في ساعات متأخرة من الليل، إلى تلك الآبار والعيون في الجبال والأدوية قبل أن تشرق الشمس ويتوافد إليها سكان قرى مديريات قريبة تعاني من ذات المشكلة.
عودة الكثير من المواطنين إلى المديرية من المدن جراء الحروب وتزايد الكثافة السكانية ساهم في اتساع حاجة المواطنين للمياه ما دفع الكثير إلى حفر آبار خاصة بهم بشكل عشوائي، الأمر الذي أدى إلى نضوب آبار تعد المتنفس الوحيد لأكثر من قرية.
قرية حبك واحدة من القرى التي يعاني سكانها من شحة المياه، حيث يوجد في القرية عين صغيرة تغذي خمس قرى وهي "حبك" و"المقطار" و"حيد الترك" و "الصلل" و"النكب".
"يخرج ابني من الصباح ويعود الثانية عشرة ظهرًا، جل ما يستطيع الحصول عليه من الماء 4 جالون سعة 15 لترًا. هكذا يبدأ عائد الصلوي حديثه وهو أحد مواطني القرية. ويشير في حديثه إلى أن المواطنين يتطاعنون أمام هذه العين الصغيرة من أجل الحصول على المياه، خصوصًا في فصل الشتاء، حيث أنهم يتوافدون من قراهم في ساعات متأخرة من الليل لجلب الماء بدوابهم وعلى رؤوس النساء والأطفال.
 ويؤكد عائد الصلوي في حديثه إلى أن ازدحام المواطنين أمام هذه العين دائمًا ما يؤدي إلى نشوب مشاكل تنتهي بتخصيص ساعات محددة يسمح من خلالها لكل قرية أخذ حصتها من الماء.
ليست قرية حبك الوحيدة التي يتوافد إليها الكثير من سكان قرى بعيدة من أجل تلك العين الصغيرة. في السائلة (سائلة الحدية) التي تفصل المديريتين “قدس" و"الصلو" يوجد بئر يغذي أكثر من 6 قرى منها "الشعبة" و"الحدية" و"المعامرة" و "الجبانة"و "النكب" وغيرها وهي قرى موزعة بين المديريتين.
وأنت تطل على هذا الوادي وتشاهد تزاحم تلك الجالونات البلاستيكية بألوان مختلفة على ظهور الحمير وفي أيدي النساء المنحدرة من الجبال والقرى إلى الخزان الذي يتم تعبئته من البئر. ينتابك خوف من مستقبل هذه المديرية التي قد يقتل أبنائها العطش إذا لم تقدم الجهات والمنظمات حلولًا سريعة لإنقاذها من الجفاف.
 مواطنون يتحدثون لمعد التقرير أن في فصل الشتاء لولا هذا البئر لعجزوا في الحصول على المياه تمامًا.
ويقول عبدالجليل غرسان مدير مديرية الصلو إن معاناة المديرية لشح المياه كونها تقع على سلسلة جبلية، خصوصًا أن المياه على سفوح الجبال تكون شحيحة إضافة إلى أن المديرية تفتقر إلى مصادر المياه مثل الأنهار وغيرها من المصادر.
ويؤكد غرسان أن معاناة الناس تفاقمت أكثر في السنوات الأخيرة وذلك لشح الأمطار إضافة إلى زيادة الكثافة السكانية في المديرية بشكل كبير.
ويضيف غرسان قائلًا "المديرية تعاني من إهمال من قبل الحكومات السابقة وعدم وجود شخصيات اجتماعية في المديرية همها مصلحة المواطن، حيث كان باستطاعتها توصيل معاناة الناس لأجل الحصول على مشاريع مياه للمديرية مثلها مثل أي مديرية في الجمهورية، لذلك ظلت المديرية في حرمان مستمر ليس في المياه فقط؛ بل في كل الخدمات الضرورية.
الجفاف يغزو قرى المديرية
تقع مديرية الصلو في الجنوب الشرقي لمحافظة تعز، وتبعد عن المدينة حوالي 45 كيلومترا، تتكون من 11 عزلة و56 قرية، يبلغ عدد سكانها حسب آخر مسح سكاني للمديرية 49,802نسمة.
تعاني مديرية الصلو من تردي الخدمات الأساسية منذ زمن وقد تفاقمت تلك المعاناة منذ اندلاع الحرب في المديرية عام 2016 بين جماعة أنصار الله(الحوثيين) والقوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليًا واستمرت عامين، فالمواطن هناك يقاوم الوضع المأساوي وظروف العيش المريرة متمسكًا بالبقاء، على أمل أن القادم يحمل في طياته ما هو جميل لأبناء المديرية المنسية على الرغم من أهميتها وعراقتها.
عزلة المشجب من العزل الأكثر تضررًا من شح المياه، حيث يعاني السكان من انعدام المياه النظيفة ما يدفع السكان إلى البحث عن مياه من مديريات قريبة، وليد شمسان وهو من سكان العزلة يقول إن أغلب قرى العزلة لا يوجد بها آبار، فيقطع أبناء هذه القرية مسافات طويلة إلى مديريات حيفان وخدير المحاذية لمديرية الصلو ليحصلوا على قليل من الماء.
 ويزيد" بعض الأسر وهي قليلة جدًا من تستطيع توفير قيمة الوايت(صهريج) من الماء، ومن يستطيعون دفع المبلغ يجدون صعوبة في وصولها لوعورة الطريق.
الأمر مشابه لقرى الصعيد والقابلة وحمدة والقابلة التي لا يوجد فيها آبار فيعتمد سكانها على مياه الأمطار التي تتجمع في خزانات أرضية يضطرون إلى قطع مسافات بعيدة لجلب المياه من قرى ومديريات مجاورة.
ليست عزلة المشجب وحدها يتكبد سكانها هذه المعاناة فهناك الكثير من قرى وعزل مديرية الصلو دفع نضوب ما فيها من آبار وعيون، نسائها وأطفالها إلى تسلق الطرق الخطرة في الجبال والمدرجات قاصدين قرى ومديريات مجاورة لتعبئة المياه.
مواطنون في المديرية يقولون إنهم اضطروا إلى بيع مواشيهم خوفًا عليها من الموت عطشًا، فالماء الذي يحصلون عليه خصوصًا في فصل الشتاء لا يكاد يسد حاجتهم.
وعن دور السلطة المحلية يقول عبدالجليل غرسان أن السلطة المحلية في ظل الظروف الراهنة لم تستطع أن تلبي احتياجات المواطنين من المياه، والسبب عدم وجود موازنة للعمل التنموي.
ويضيف: "قمنا بالشراكة مع المنظمات الإنسانية في توفير بعض مصادر المياه، وبناء خزانات فردية وجماعية، إلا أن ذلك يظل حلًا ترقيعيًا مؤقتًا، لا يفي بسد حاجة المواطن من المياه بشكل نهائي.
مياه ملوثة
تخرج أسماء (30 عامًا) كل يوم في الصباح الباكر مستغرقة حوالي ربع ساعة مشيًا على الأقدام حتى تصل إلى البئر الذي تجلب منه المياه، وتقول إنها في حالات كثيرة تصل وقد جفت مياه البئر، وذلك نظرًا لتوافد كثير من الأهالي إليه حتى ساعات متأخرة من الليل.
أسماء إحدى النسوة المتواجدات في قرى مديرية الصلو، والتي يمارسن نفس المهام بشكل يومي من أجل البحث عن مياه الشرب، وتقول إنها تجلس لساعات طويلة هي وشقيقاتها ونساء من القرية بجانب البئر منتظرات حتى يتجمع الماء.
وتضيف" نظرًا لغرف الماء أولًا بأول من البئر فإننا نحصل على مياه مليئة بالشوائب من الأتربة والحصى، وعلى الرغم من أن هذا البئر مكشوف إلا أننا لا نجد بديل آخر للحصول على المياه.
وترى سامية أن هناك برك تشرب منها الكلاب والماشية ومعرضة للأتربة وتقلبات الجو ناهيك عن طريقة غرف الماء من قبل المواطنين بأوعية غير نظيفة، وعن الآبار المكشوفة تقول سامية أن بعض الآبار يجدون بها حيوانات ميته وحشرات.
هذا ما أكده الدكتور وليد شمسان وهو ناشط من أبناء المديرية بأن شحة المياه في المديرية دفع الناس للجوء إلى مصادر غير نظيفة للحصول على مياه شرب.
 يشير وليد في حديثه بالقول "من المعروف أن كثيرًا من سكان الأرياف يتبرزون في العراء فإذا جاءت الأمطار جرفت هذا البراز من الشعاب والجبال والمنحدرات إلى بعض الآبار كما حدث في وادي جحافي ما أدى إلى انتشار وباء الكوليرا في قرى وعزل المديرية.
بدوره يقول عبدالجليل غرسان إنه بسبب شحة المياه لجأ سكان المديرية إلى تجميع مياه الأمطار من أسطح منازلهم في خزانات متنقلة أو بناء خزانات إسمنتية بجوار بيوتهم، يتم ملؤها من مياه الأمطار في مواسم الأمطار والتي دائمًا ما تكون ملوثة بسبب أتربة السقوف.
تضرر الزراعة
تعرف مديرية الصلو أنها من المناطق التي تشتهر بزراعة الكثير من الفواكه والخضروات منها الجوافة والرمان والعنب والموز، ومن الخضروات الكراث والفجل والكزبرة، ولاسيما أن الصلو الموطن الحقيقي للبصل وحب العزيز، إلا أن إنتاج هذه المحاصيل تراجع في السنوات الأخيرة بفعل انعدام المياه.
تقول مواطنة من أبناء المديرية(فضلت عدم ذكر اسمها) أن المساحات التي كانت مخصصة لزراعة الخضروات والفواكه بأنواعها باتت بعضها غير مزروعة بسبب نضوب العيون والآبار التي كانت تستخدم لري تلك المساحات.
وتضيف" المدرجات الزراعية في موسم الزراعة لم تعد تنتج كميات كبيرة من الحبوب كما كانت من قبل، إضافة إلى تراجع إنتاجها من الأعلاف كطعام احتياطي للماشية طوال العام حتى يأتي موسم الزراعة، وتشير في حديثها لمعد التقرير أن الكثير من المواطنين تركوا تربية الدواب بعد تراجع الزراعة في المنطقة.
يقول مزارعون من أبناء المنطقة إنهم يذهبون لمديريات أخرى لشراء الأعلاف والأعشاب لمواشيهم بسبب تدهور الزراعة في المديرية بسبب قلة الأمطار التي تعتمد عليها الزراعة في المنطقة.
حلول ممكنة
ناشط من أبناء المنطقة، يقول إن بناء خزانات المياه (السقايات) للاستفادة من مياه الأمطار حل ضروري من أجل التخفيف من استنزاف مياه الآبار خصوصًا أن الكمية المستهلكة من مياه الآبار في المنطقة تهدد استدامتها.
وينوهون أن سرعة استخراج السكان للمياه الجوفية في الصلو تفوق قدرة الطبيعة على تعويضها، كونها طريقتهم الوحيدة للحصول على المياه إضافة إلى بعض العيون الصغيرة في بعض القرى، كما يؤكدون أنه وبسبب الفقر الذي يطحن أغلب مناطق المديرية تجد الكثير من الأسر صعوبة في بناء خزانات المياه (السقايات) نظرًا لتكلفتها التي لا يقدر عليها أغلب المواطنين، أما عن الآبار الغنية بالمياه والعيون وهي قليلة جدًا يقولون إنها بحاجة إلى خزانات خاصة تخزن فيها المياه الفائضة في الصيف حتى يستفيد منها المواطن في فصل الشتاء.
المتخصص في شؤون المياه سليم العضيلي الذي يقول إن من ضمن الجهود التي يمكن أن تبذل لتجنب الجفاف بشكل عام، استغلال مياه الأمطار في فصل الصيف من خلال عمل الحواجز وبناء السدود من أجل استخدامها في ري المزروعات وتغذية المياه الجوفية كما يمكن معالجتها واستخدامها كمياه شرب، ويرى العضيلي أن تنظيم حفر الآبار واحترام المسافات الكافية بينها وتحديد عمق الحفر لكل منطقة من أساسيات الحفاظ على استمرارية مياه الآبار.
عبدالجليل غرسان يقول إنهم في المديرية قاموا بإطلاق نداء استغاثة لكل المنظمات الدولية والمحلية ولقوا استجابة في تقديم بعض الخدمات إلا مشروع المياه للمديرية لم يستطيعوا إيجاد جهة ممولة وداعمة له، حيث تفيد تلك المنظمات بأن تكاليف مشاريع المياه يتطلب مبالغ باهظة تفوق قدرتهم على تغطيته، حيث يرى غرسان أن المعاناة ستظل مستمرة ما لم يوجد مشروع مياه كباقي المديريات يسد حاجات الناس بشكل يجعل الناس تستقر وتحصل على مياه نقية.
(أنتج هذا التقرير ضمن مخرجات تدريبات "صحافة المناخ والبيئة" – أغسطس 2021، بإشراف من مؤسسة الصحافة الإنسانية (Hjf) – عدن و "مدرسة المناخ" – القاهرة)