المجاعة.. حرب أخرى تطوق نازحي لحج
2021-09-09
تقرير/ رائد محمد الغزالي:
أضحت الحرب الدائرة في اليمن برًا وبحرًا وجوًا منذ العام 2015 حتى الآن واقعًا مأساويًا على المواطنين البسطاء من عامة الشعب، وخلفت وضعًا معيشيًا صعبًا لم تشهده البلاد من قبل، ومعاناة استفحلت بالكثير من الأسر، وعلى وجه الخصوص الأسر الفقيرة والمهمشة التي كانت تعتمد على الدخل اليومي من خلال ممارسة أنشطة تجارية حرة عبر حرف مهنية قبل حدوث النزاع المسلح.
وبحسب تقرير المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نشرته في العام 2020 فإن عدد النازحين بسبب الصراع الداخلي في اليمن بلغ 4 ملايين نازح داخليًا، وهم بحاجةٍ ماسةٍ للمساعدات الإنسانية.
"الأيام" رصدت هذا التقرير الذي يتناول أوضاع النازحين في مدينة الحبيلين بمديرية ردفان في محافظة لحج، وقد قدم بعضهم من المحافظات اليمنية، ويسكنون في عشش واهية مكونة من إطارات سيارات وأحجار صغيرة وطرابيل بلاستيكية تفتقر إلى كل مقومات السكن الآدمي.
موت البطيء
نخوض صراعًا شديدًا مع المعاناة وأصبح الجوع على وشك القضاء على أطفالي وليس هناك مخرج أمامنا، وقد يحدث ما هو أسوأ.. بهذه الكلمات بدأ النازح سمير أحمد علي الذي قدم من محافظة الحديدة، حديثه وقال بأن وضعه سيء جدًا، ولم يتلقَ أي مساعدة من أي جهة، ويعيش وسط عشة مهشمة.
وقال سمير قدمت إلى هنا منذ عامين وليس لدي ما أملكه من مخزون غذائي وهناك موت بطيء يحوم حولنا.
وأضاف أننا نبذل جهدًا شاقًا للحصول على المال القليل من خلال ما يتم جمعه من مخلفات بلاستيكية من وسط النفايات لبيعها، ومع ذلك يصبح المبلغ الذي نحصل عليه لا يتجاوز الخمسة آلاف ريال وهو لا يكفي لسد حاجة وجبة غذاء واحدة للأسرة.
وختم كلامه نوجه النداء لمن يهمه أمر النازحين أن يعيرونا اهتمامًا كبيرًا، فقد نضطر إلى بيع أعضاء من أجسامنا إن اضطر الأمر كي نطعم أطفالنا.
نريد الطعام
النازحة جمعة محمد شعلان مطلقة تقيم هنا في الحبيلين منذ أربع سنوات واتخذت من حي المهمشين سكنًا لها
تقول إنها نزحت من محافظة صعدة، بسبب تعرض منطقة دار معلا التي كانت تقيم فيها لقصف جوي، جمعة
تعيش مع أسرتها المكونة من طفلتين وثلاث أشخاص، تحدثت عما يعانوه من تدهور معيشي كبير، وقالت بإن الحظ يحالفهم أحيانًا بالحصول على الطعام من بعض الميسورين لكنه غير كافٍ، وتضيف منذ إربع سنوات حصلت مرة واحدة فقط على سلة غذائيّة، وبعدها لم نحصل على أي مساعدة شهرية، ونحن هنا نعاني من كل أشكال الحرمان.
وما قاله النازح صقر علي مثنى لم يختلف عما قاله الآخرون عن الظروف القاسية التي تواجههم في ظل غلاء فاحش، ويضيف صقر الذي نزح من مريس محافظة الضالع بأن معيشتهم صعبة والمكان الذي يسكنون فيه ليس صالحًا للعيش، وهناك غياب لخدمات الصرف الصحي والنظافة والكهرباء والمياه النظيفة، وأضاف: نسمع عن منظمات تدعم المحتاجين ولكن لم نلتمسها ونأمل أن نلتمس المساعدات ونريد أن تشعر أنفسنا ولو بنوع بسيط من الأمل لأن الوضع المعيشي الحالي فيه غلاء فاحش ونخشى أن نموت من الجوع حتى التسول أصبح صعبًا.
التأكيد على ضرورة تقديم المساعدات الإغاثية
- الناشط الحقوقي والمدني وهيب قائد الذيباني: "النازحون هنا في مديرية ردفان لم يلقُ الاهتمام والدعم الكافي منذ فترة الحرب في العام 2015م والذين بلغوا حينها أكثر من 2000 أسرة نازحة بحكم نشاطنا الذي اجتهدنا به.
وحتى الآن يبلغ عددهم ما يقارب من 300 أسرة تقريبًا، وإن وجد الدعم فهو محصور ومحدود ولا يكاد يذكر أمام ما يجب أن يحصل عليه النازحون جراء الحرب وما يحصل عليه النازحون في باقي المديريات والمحافظات المجاورة والتي تم تسجيل النازحين على شكل مخيمات وتجمعات رسمية للنازحين، ويضيف: "وعلى الرغم من أن هناك تقدير كبير لحجم الجهود التي تبذلها الكثير من المنظمات في الوصول إلى النازحين إلا أنها تتجه في الغالب لاستهداف التجمعات والمخيمات المعلومة في الأماكن العامة والمعتمدة رسميًا لدى الجهات المعنية والتي في الغالب تتواجد في المحافظات والمدن الكبيرة مثل عدن وغيرها " .
- فائزة صالح يسلم ناشطة حقوقية بقضايا المرأة والسلام في محافظة لحج تؤكد بأن الوضع الصحي والاحتياج الغذائي أبرز متطلبات الأسر النازحة، وأشارت بأننا رصدنا شكاوى من أسر نازحة من منطلق نشاطنا الحقوقي ومناصرة التنمية البشرية وحقوق الإنسان عبروا فيها عن تذمرهم من المعاناة وعدم تلقيهم أي مساعدات وإعادة تأهيلهم نفسيًا بسبب تأثرهم من تداعيات الحرب ونوصي بضرورة الحرص على العدل في توزيع المساعدات عند توافرها.
- صبري صالح فضل محامي ومستشار قانوني قال: بإن النازحين الذين ينزحون بسبب المواجهات المسلحة داخل البلد من منطقة مشتعلة إلى أخرى هادئة لا تمثل معاناتهم مسألة إنسانية فحسب؛ بل هي قضية حقوقية وقانونية وواجب أخلاقي يتحتم على المنظمات المهتمة بتقديم كل أشكال المساعدات للأسر النازحة أشار إليها القانون الرسمي وكذلك معاهدات ومواثيق دولية، ونحن ومن خلال هذه الوسيلة الإعلامية نؤكد على استعدادنا بالتعاون في مساندة الجهود التي تخدم الإنسانية وخصوصًا ما يتعلق بالإجراءات القانونية، والتي منها حقوق النازحين التي تم تسليط الضوء عليها في تقريركم.
- عبدالرزاق محسن راشد البكري منسق منظمات دولية في مديرية ردفان ورئيس وحدة مخيمات النازحين لمديريات: ردفان-حبيل جبر-حالمين-الملاح أشار بأن الأسر النازحة تنتشر في مخيمات إيوائية وفي بيوت مستأجرة وأخرى تعيش في سكن المهمشين وفقًا لمسح ميداني مشيرًا بأن الظروف التي يمرون بها صعبة، وقال منذ 2015 لم تتدخل منظمات دولية لتقديم الإغاثة للنازحين، ولكن هذا العام بدأت الأمور تتحسن تدريجيًا بعد أن بدأت بعض المنظمات تنشط بدعم بعض الأسر، ويجب أن نرفع مستوى نسبة التدخل بشكل أكبر بما يمكننا من تلبية الاحتياجات والمتطلبات بالتنسيق مع الجهات الرسمية.
مسؤول محلي: حوالي 250 أسرة نازحة تقيم في ردفان
وفي تصريح للجهات المسؤولة أكد صالح عقيل محسن أمين عام المجلس المحلي بمديرية ردفان بأن المديرية استقبلت أكثر من 200 أسرة نازحة منذ الحرب 2015 قدمت من عدة محافظات ومناطق من كرش وتعز والضالع والحديدة وأبين ومناطق أخرى، فهناك شريحة منهم حصلوا على مساعدات غذائيّة وإيوائية من منظمات ومؤسسات وجهات خيرية، ولكن ما هو مأمول لم يحدث لأنهم بحاجة إلى دعم مستمر.
كما أن هناك نازحون لم يحصلوا على المساعدات، منهم نازحون من فئات مهمشة وغير مهمشة والأغلبية منهم يعانون أسوأ الظروف، وتضاعفت هذه الظروف الصعبة في الوقت الحالي الذي تشهد فيه البلاد غلاءً فاحشًا.
وأشار عقيل بأن دور السلطة المحلية بالمديرية كان حاضرًا في التنسيق مع المنظمات والمؤسسات التي تدخلت في تقديم مساعدات للنازحين، مشيرًا بأن دور المنظمات الدولية العاملة في قضايا النزوح يجب أن يكون بالشكل المأمول في تقديم المساعدات للنازحين في المديرية فيما يتعلق بإغاثة النازحين باستثناء الغذاء العالمي الذي يستهدف بمساعدات نقدية شهرية عددًا من الأسر.
وأكد على أن دعم الحكومة مغيب تمامًا، مؤكدًا بأن السلطة المحلية على استعداد تام للتعاون مع أي تدخل لأي منظمة تقدم التعاون لإغاثة النازحين الذين أصبحوا حقيقة تحت تهديد الموت فإذا لم تتدخل المنظمات لتقديم المساعدات لهم، فقد يحدث للأطفال سوء التغذية، فالغلاء الحاصل قد أضنك معيشة السكان المستقرين في المنطقة، فما بالك بأسر نزحوا من مناطقهم، وهم لا يملكون أي شيء فالمنطقة هنا استقبلت نازحين حرب من خارجها وتشهد موجة نزوح من قرى ريفية جبلية بسبب الجفاف.
المبادئ القانونية
قضية النزوح الداخلي شملتها قرارات رسمية قد تم إقرارها بهذا الشأن منها قرار مجلس الوزراء باليمن رقم (148) لعام 2013م الذي أقر السياسة الوطنية لمعالجة قضايا النزوح الداخلي في اليمن، والغرض تقدم إطار وطني عام يستجيب على نحو فعال للنزوح في اليمن بالإضافة إلى التأكيد على حقوق النازحين ومسؤوليه السلطات تجاههم، حيث تحدد هذه السياسة الأهداف الحالية وأولويات الاستجابة للنزوح، وتعالج هذه السياسة النزوح في شتى مراحله من خلال الأهداف الثلاثة المتداخلة:
الهدف الأول: حماية المدنيين من النزوح غير الطوعي والاستعداد لأي نزوح محتمل.
الهدف الثاني: توفير الحماية والمساعدة للنازحين أثناء النزوح ودعم المجتمعات المتضررة من النزوح.
وقرار مجلس الوزراء رقم (454) لسنة 2009م، بإنشاء الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين على أن تتولى إدارة وتشغيل وتنظيم العمل في مخيمات النازحين بالاستعانة والتنسيق مع عدد من الجهات الحكومية والأهلية والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني والسلطة المحلية في أماكن تواجد النازحين، فالنازحون المتأثرون من الصراع الداخلي المسلح كفلت لهم البرتوكولات الدولية حق الحماية والرعاية والاهتمام من قبل الجهات الحكومية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهذا ما نص عليه ملحق البروتوكول الثاني الإضافي إلى اتفاقيات جنيف 1977 المعقودة في 12 أغسطس 1949 المتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية، والتي صادقت عليه اليمن عام 1970م وعام 1990م.
فالمبادئ الإنسانية التي تؤكدها المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف المعقودة في 12 أغسطس 1949 تشكل الأساس الذي يقوم عليه احترام شخص الإنسان في حالات النزاع المسلح الذي لا يتسم بالطابع الدولي، وإذ تذكر أيضًا أن المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان تكفل لشخص الإنسان حماية أساسية، وإذ تؤكد ضرورة تأمين حماية أفضل لضحايا هذه المنازعات المسلحة.
ومن خلال هذا التقرير نناشد الجهات المعنية والمنظمات الدولية إلى التدخل لتقديم الإغاثة العاجلة لأولئك النازحين الذين يرزحون تحت وطأة المعاناة يذكر أن عدد الأسر النازحة في محافظة لحج وبحسب إدارة وحدة مخيمات النازحين بالمحافظة 11243 أسرة.
وتعيش اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم بحسب الأمم المتحدة.
*أنتج هذا التقرير ضمن مخرجات تدريبات "صحافة حقوق الإنسان" - أغسطس 2021، بإشراف مؤسسة الصحافة الإنسانية (Hjf) ومؤسسة تعايش للتنمية(CFD).